الجمعة، 1 مايو 2015

القرآن منهاج حياة

الحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفى ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ما لمع نور و اختفى ، و أشهد أن سيدنا محمد عبده و رسوله ، سيد الشرفا ، وحسبي الله الملك القدوس و كفى.
أما بعــــــــــد:
          فالقرآن الكريم دستور الحياة الإسلامية كلها ، و المصدر الأول للهداية فى توجيه هذه الأمة إلى حياة أساسها العدل وحب الخير وفعله ، وكما قال ابن مسعود رضى الله عنه (ت32ه): "إن هذا القرآن مأدبة الله ، فتعلموا من مأدبة الله مااستطعتم ، وهو النور النير ، و الشفاء النافع ، و العصمة لمن تمسك به ، و النجاة لمن تبعه ، لا يعوج فيقوم ، و لا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه" .
          وبالهدى القرآني بنى المسلمون حضارتهم الشامخة ، التي امتد نفعها إلى البشرية قاطبة ، وبه تجسد كيانهم بين الأمم ؛ فهو سداد حياتهم ، وشهود حضارتهم ، وقوة شوكتهم ، و إليه مفزعهم في الملمات كلها . ومن المعلوم أن أولى ما صرفت من نفائس الأيام ، وأعلى ما خص بمزيد الاهتمام: الاشتغال بالعلوم الشرعية المتلقاة عن خير البرية ، و لا يرتاب عاقل في أن مدارها على كتاب الله المقتفى و سنة رسوله المصطفى صلى الله عليه و سلم  ، و أن باقي العلوم إما آلات لفهمها وهى الضالة المطلوبة ، أو أجنبية عنها وهى الضارة المغلوبة كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله.
          ولما كان القرآن الكريم أشرف العلوم ، كان الفهم لمعانيه أوفى الفهوم لأن شرف العلم بشرف العلوم.
          وعليه: فإن العلم بكتاب الله عز وجل ، و العمل في خدمته من أرفع الأعمال ، وإن الله عز وجل لا يمنح هذا الفضل إلا من أراده لذلك كما قال مجاهد رحمة الله عليه: "أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل" ؛ لما عليه مآل عالمه من الإيمان ، و اليقين بموعود الله تعالى ، ومايتذوقه من مواطنة الجنات ، وهو يتفيأ ظلال آيات كتاب الله الوارفات ، ولما فيه من الالتحاق بزمرة سيد الأنام و منهجه و سلوكه صلى الله عليه و سلم.
ولما تقدم وغيره جاءت صفحات هذا الكتاب مشرقة بشعع تظهر فهم السابقين في الأمة رحمهم الله تعالى للقرآن الكريم ، وتعاملهم معه ومع اهله ، وكيف حولوا الفهم و التعامل إلى منظومة متكاملة في العلم و الأخلاق و العمل ، وشملت هذه الصفحات إشراقات مهمة في بابها ، ونافعة لمن وعاها ، و تدبر آثارها ، وأحسن الإفادة منها ، ولاسيما مع القرآن الكريم ، وما يلحق به من المعارف ، و حث السلف على تعلم القرآن الكريم ، وإكرامهم لأهله ، وإفاضتهم بجملة من الفوائد ، و التجارب التى وقفوا عليها أثناء العناية و الرعاية و العيش في ظلال كتاب الله تعالى.
والذي ينفعنا في مثل هذه الصفحات هو تذكير انفسنا والأمة بعظيم المسؤولية تجاه القرآن الكريم ، ومحاولة بعث الهمة في أجيال الأمة المتلاحقة المتجددة التى هى بأمس الحاجة في صفحات آبائها وصنائعهم الخالدة ، وإلى كل عبارة و إشارة ترشدهم إلى خيرى الدنيا و الآخرة ، و تبعثهم على حث الخطى بيقين و قناعة و ثبات ، و تنطلق بهم بلا ريب في طريق الدعوة إلى الله تعالى ودينه الحق ، وتصبرهم على مشاق نشره ، والدفاع عنه وعن رموزه ومقدساته ، ولتمضي الأمة اليوم في تقديم كل غال ونفيس في سبيل ذلك ، ولتقف على مناهج السابقين فى التعامل مع القرآن العظيم ، وتطلع على نتاج فهمهم لآياته الكريمة ، و تتعرف على الكيفية التى استطاعوا بها ومن خلالها الوصول إلى ما وصلوا إليه ؛ من الصدق فى عهد الله ورسوله ، والمصالحة و الصلاح و الإصلاح في ضوء هدى القرىن الكريم قراءة ، وفهما ، وتفهيما ، وعملا بالأحكام ، وأثرا فى الأرواح و القلوب و الأجساد ، و الفرد و المجتمع ، و البناء و الحضارة.
والأمل أن تكون هذه الصفحات مساهمة نافعة في سلسلة ما كتب فى هذا الموضوع ، وعسى أن تسهم فى إحياء الجذوة ، والتعريف بمنهج الأولين رحمة الله عليهم ، وكيف كانت مراحلهم السابقة مراحل حية قرآنية ، و تذوق وجدانى لمعانى القرآن الكريم ، وجمال بديعى فى التعامل الحسى والمعنوى معه ، وأنتنفع أشعتها الجيل فهما ، وتربية ، ومنهجا ، وينتفع من خلالها فى التعرف على بعض آثارهم و لطائفهم مع القرآن الكريم ، و لتحفظ و تذكر بمكانة السابقين الأولين من أهل القرآن ، وكيف كان تعامل قادة الأمة وأعيانها مع القرآن و أهله ، وكيف كان أثر القرآن فيهم وفى سلوكهم ؛ لنكون معا فى طريق معرفة الله تعالى ، و الوصول إلى مرضاته جل جلاله.
ولا شك أن من غايات تحرير هذه الصفحات تعريف الأمة و أجيالها بالفهم الوسطى المعتدل للدين من خلال تزكية الروح ، وتنقية البدن ، و الجمع بين العلم و العمل ، و السعى في تحقيق التوازن بين عيش الدنيا وطلب عيش الآخرة لاسيما والأمة اليوم تعيش مرحلة من مراحل الجفاف الروحى ، وتعانى من تفشى ظاهرة ضعف الارتباط الإيماني بين أبنائها ، وداخل منظومتها ، والذى تعكس سلبا على سلوكها الحياتى.

وفى سلاف مداد هذا التقديم: أبتهل إلى الله تعالى أن يحفظ قلوبنا و أرواحنا وأبداننا و جوارحنا ، وأن يمتعنا بها ، ويجعلها الوارث منا . وأن يلهمنا الصواب و السداد فى أمورنا كلها. ويكتب لنا الإخلاص و القبول. وأن يبعثنا على تجديد التوكل عليه سبحانه تعالى فى جميع أمورنا ، و نبرأ فيها إليه من حولنا و قوتنا ، و نسأله أن يعيننا عليها ، و على كل خير ، ويوفقنا لصالح الأعمال ، و يتفضل علينا بقبولها ، و يجعلنا ممن سمت أخلاقهم فكانت تنسب للقرىن وأهله وخاصته ، وممن ظهر أثره فيهم و فى مجتمعاتهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق