الخميس، 2 يوليو 2015

النداء العاشر: في وجوب تقوى الله عز وجل ووجوب القول السديد

الآيتان (70 - 71) من سورة الأحزاب
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم ما عرفته من سر نداء الله تعالى للمؤمنين بعنوان الإيمان، وأنه ما يناديهم إلا ليأمرهم أو ينهاهم، أو يبشرهم أو ينذرهم وذلك رحمة بهم وإحسانا إليهم من أجل أن يكملوا ويسعدوا. وها هو ذا تعالى يناديهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ويأمرهم بتقواه عز وجل إذ تقواه هي المحققة لولايته تعالى لهم بعد الإيمان ومن وليه الله لا يخاف ولا يحزن، ومن عاداه الله ما أمن ولا فرح أبدا.
هذا واعلم أن تقوى الله عز وجل حقيقتها: خوف من الله عز وجل يحمل الخائف على عدم معصيته عز وجل في فعل ولا ترك في الظاهر والباطن سواء. ويحمله ذلك على أن يطلب العلم ليعرف ما أمر الله تعالى به عباده المؤمنين وما نهاهم عنه من الاعتقادات والأقوال والعمال والصفات ويجاهد نفسه في ذلك حتى يبلغ بها درجة الطمأنينة فتصبح لا تفرح إلا بطاعة الله عز وجل ولا تحزن إلا من معصيته تعالى، وتصبح حالها: الإيمان بلقاء الله والرضا بقضاء الله والقناعة بعطاء الله. كما ورد في دعاء الصالحين: اللهم إني أسألك نفسا مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك. اللهم وفقنا لهذا المطلب واجعلنا من أهله آمين
وقوله تعالى: {وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} هذا أمر أخر بعد الأول وهو أن لا يقول المؤمن إذا قال إلا ما كان صائبا صدقا نافعا غير ضار، هادفا مصيبا ذا أثر محمود. وقد عرفه بعضهم فقال: القول السديد هو لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهو القصد الحق وهو الذي يوافق ظاهره باطنه، وهو ما أريد به وجه الله دون سواه، إذ القول السديد الذي أمر تعالى به عباده المؤمنين يشمل كل هذه التعريفات ويزيد.
واعلم أن الله تعالى جعل ثمرة تقوانا له وقولنا لبعضنا القول السديد إصلاح أعمالنا ومغفرة ذنوبنا وفى تحقيق هذين المطلبين سعادة الدارين، وسر ذلك أيها القارئ الكريم أن تقوى الله عز وجل كفيلة بتطهير النفس وتزكيتها، وسعادة الآخرة تتم بزكاة النفس وطهارتها إذ قال تعال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} ، ومعنى أفلح فاز والفوز هو النجاة من النار ودخول الجنان. كما أن القول السديد كفيل بإصلاح الأعمال الدنيوية من بيع وشراء وهدم وبناء، ونكاح وطلاق وسفر وإقامة، وإلى غير ذلك من أمور الحياة الدنيا الضرورية للإنسان فيها. فما أعظم إرشاد الله تعالى لأوليائه، وما أكرم الله تعالى على عباده المؤمنين إذ أمرهم بأمرين تقواه والقول السديد وجعل الجزاء أمرين إصلاح الأعمال ومغفرة الذنوب، وما بعد هذا المطلب من مطلب. وأخيرا زاد إنعامه وإفضاله على عباده المؤمنين إفضالا فقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} . أما طاعة الله وطاعة رسوله فإنها في الأمر والنهى والترغيب والترهيب وفى النفل والمكروه، وأما الفوز العظيم فهو سعادة الدارين؛ أما في الدنيا فهي الأمن ورغد العيش مع انشراح الصدر وطيب الخاطر، وهدوء البال والعز والكرامة الدائمة وأما في الآخرة فهي النجاة من النار ومواكبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إذ قال تعالى من سورة النساء: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً} . وفى ختام بيان هذا النداء أذكر لك أيها القارئ ما يزيد في تقواك ورضاك ما رواه بن أبى حاتم وذكره بن كثير في التفسير أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوما الظهر بأصحابه ثم أومأ إليهم أن اجلسوا فجلسوا ثم قال لهم: " أن الله أمرني بأمر أن آمركم أن تتقوا الله وتقولوا قولا سديدا، ثم أتى النساء فقال لهن: إن الله أمرني بأمر أن آمركن أن تتقين الله وتقلن قولا سديدا " فكان ختام هذا النداء كبداءته والحمد لله المتفضل على عباده.
خطورة الكلمة
فإن الكلمة قضية شأنها عظيم وخطرها جسيم ، بها يدخل المرء في دين الله فيحرم ماله وعرضه بالنطق بالشهادتين ، وبمثلها يباح دمه، فما انتشر الإسلام وما عرفناه إلا بكلمة (اقرأ)، وما انتشرت دعوة الحق ووحي السماء إلا بكلمات القرآن المجيد، من آيات الخير والهدى..
وما أقيمت دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة إلا بكلمة التوحيد التي آخى بها الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والانصار .
وبالكلمة عقدت الأحلاف بين المسلمين وغيرهم ، وبالكلمة دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الملوك وزعماء القبائل والاكاسرة والقياصرة إلى الإسلام .. وبالكلمة بعث السرايا واستقبل الوفود.. وأتم تبليغ هذا الدين ..ورسخ الإيمان بكلمة التوحيد ونبذ الكفر وما جره من القول على الله بغير علم .
ولا يكون الزواج والطلاق والبيع والتجارة بين الناس إلا بكلمة ..
وفي المقابل ما غزانا العدو ابتداء إلا بكلمة ، وما رُوَّج للفساد الفكري والأدبي والثقافي إلا بكلمة، وما تنافر الخلق وانتشر الحسد والبغض إلا بكلمة !!
ومن هنا تبرز أهمية الكلمة ودورها في حياة الفرد والمجتمع ..
إنها دعوة لتستعيد الأمة دورها الحضاري بنشر الخير اللفظي وبث الوعي للإنسانية جمعاء بالكلمة الطيبة (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) حتى تبنى الأمة بناء يتفق مع الشخصية الاسلامية، وحتى تدرك قيمة الكلمة وتربى الاجيال على كلمة الاسلام من جديد .
و حتى نرقى بأسلوب حياتنا وتعاملنا وننأى بأنفسنا وألسنتنا وأقلامنا ووسائل إعلامنا عن التراشق برديء الكلام، وسيئ القول وليس معنى هذا أن نستسلم فلا ندافع عن أنفسنا ، فالمدافعة تكون أحيانا بالسكوت، والإعراض عن الجاهلين. (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً ) [الفرقان:63] معنى الكلمة :
ولو تأملنا في معنى الكلمة لوجدناها في اللغة : تطلق على الجمل المفيدة ويراد بها الكلام، كقولهم في كلمة الإخلاص :" لا إله الا الله ".ومثل هذا قول النبي عليه الصلاة السلام : (أصدق كلمة قالها لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل).
وفي اصطلاح النحاة : هي اللفظة الواحدة التي تتركب من بعض الحروف الهجائية وتدل على معنى مفرد ، والكلمة : بفتح الكاف وكسر اللام هذا هو الأفصح ، ويجوز فيها فتح الكاف وكسرها مع سكون اللام "كَتَمْرَة" و "سِدْرَة" .
والكلـمة ثلاثـة أقـسام : اسم دل على مسمى مثل (كتاب) أوفعل (كتب) أوحرف (واو القسم في قولك : والله ) .
وجاء في التنزيل قوله تعالى : ( وألزمهم كلمة التقوى ) وقوله سبحانه: ( كلا إنها كلمة هو قائلها ) وقوله سبحانه : ( وجعلها كلمة باقية في عقبه ) .
وكل كلمة في القرآن الكريم لا تغني عنها رفيقتها ومرادفتها وهذا من إعجاز القرآن الكريم كما قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {23}) فما تأتي من كلمة إلا في مكانها أو موضعها وتأخذ معنى خاصاً بها لا تشاركها فيه كلمة أخرى : (ومن أصدق من الله حديثا) .. (ومن أصدق من الله قيلا).

مكانة الكلمة :
الكلمة مفردة التخاطب والإعلام.. وبريد القلب والإحساس.. ونبض النفس والمشاعر.. وشاهد الضمير.. ولسان القضاء.. وأداة العلم ورسول المعرفة وسفير الحضارة ..وثـمرة اللسان.. وأداة البيان .. ودليل الصدق.. ومؤنق الأسماع ..
وقد ترقى إلى عنان السماء عندما تكون آية في كتاب الله أو حديثا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أودعاء مظلوم أو دعوة خير أوشفاعة بالمعروف (( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ))..
ولا يستخفن أحد بالكلمة فإنها أمانة ورسالة ومسؤولية ..ويكفي أن تكون شعار قائلها وسر خلوده ومناط ثوابه وعقابه .. وقد تتحول إلى صرخة استغاثة أو بارقة أمل أو لمسة حانية أو خطاب شكر وشهادة وفاء أوعبارة اعتذار أولبنة بناء ومبعث فخر ..
وأحيانا تكون عكس ذلك كله ..
فعجبا لتلك لكلمة تكون برحمة الله سبب رضوانه وبسخطه سبب عذابه ونيرانه ففي حديث أبي هريرة المتفق عليه: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات ،وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم)).
فالكلمة نعمة ميز الله بها الإنسان عن سائر المخلوقات بالكلمة المفهومة ، وأمرنا بحسن انتقائها واستخدامها : [وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً] ـ الإسراء ـ 53. وقوله سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].
وجعلها الله سبحانه ضابط الحسنات والسيئات إلى جانب الفعل والإرادة وجعل عليها رقيبا (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ليميز بها المصلح من المفسد .
وقد منحنا الله هذه نعمة النطق بالكلمات من أجل أن نستعملها فيما يرضيه عز وجل وأن نسخرها في طاعته وأن نؤثر الكلمة الطيبة على ما سواها ، وجعل سبحانه النطق بالكلمة الطيبة وتحريرها من علامة رضوانه و امتن بها على عباده المؤمنين بقوله سبحانه : ((وهدوا إلى الطيب من القول )).

من صفات الكلمة الطيبة:
-
أنها تؤلف القلوب وتصلح النفوس وتذهب الحزن وتزيل الغضب وتشعر بالرضا والسعادة لا سيما إذا رافقتها ابتسامة صادقة (تبسمك في وجه أخيك صدقة ) .
-
وأنها مفتاح الدعوة والقبول ؛ جميلة اللفظ سهلة المعنى تغرس الخلق والأدب وتنشر الألفة والمودة في المجتمع وتعمق أواصر الوحدة بين الناس.
-
وأنها توافق الشرع الحنيف فتدعو إلى ما يعزز التوحيد وينافي البدع والمنكرات والشهوات والشبهات (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَـالِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت
-
وأنها تثمر عملاً صالحاً وتفتح أبواب الخير، وتغلق أبواب الشر .. نتائجها مفيدة، وغاياتها بناءة سامية.

وأي دين أعظم من الإسلام الذي جعل الشارع فيه الحرف بعشرة أمثاله إلى 700 ضعف بتلاوة القرآن الكريم ؟ الكلمة الطيبة.. لماذا؟ ولسائل أن يسأل : لماذا يكون للكلمة الطيبة ذلك الخطر العظيم والثواب الجزيل ؟ ودعونا نجيب عن ذلك من خلال النقاط التالية :
1-
الكلمة الطيبة شجرة مثمرة دائمة الخير والعطاء : [ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها]. إبراهيم 24 ـ 25.
2-
الكلمة الطيبة صدقة تثري المال، وتنمي الرزق، وتصل الرحم، وتنسي في الأجل، وتدخل الجنة فقد تكون تسبيحة أو ذكرا أو دعاء أو صلاة ..
3-
الكلمة الطيبة سمة المؤمنين الصادقين والدعاة وشعارهم (وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما ).
4-
الكلمة الطيبة اختيار حكيم وانصياع تعبدي من قبل المسلم لأمر الله عز وجل امتثالا لقوله تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: 83]. وقوله : (وَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً [النساء: 5]. وقال سبحانه أيضا (فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا) [الإسراء: 28].

طرق استثمار الكلمة الطيبة :
بالكلمة الطيبة ندعو الناس بأحب الأسماء إليهم وأوقعها في نفوسهم.
بالكلمة الطيبة نحبب إليهم الطاعات ونوضح لهم مسائل الدين استجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم من خلال الترغيب في الخير والترهيب من الشر(وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104].
بالكلمة الطيبة ندعو إلى التفاعل مع قضايا الأمة (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" .
بالكلمة الطيبة نقدم الشكر لمن أسدى لنا معروفا " "من قال لاخيه جزاك الله خيرا فقد بالغ فى الثناء".
بالكلمة الطيبة نعبر عن امتناننا بالدعاء لعلمائنا ومشايخنا بالتوفيق والسداد ونشجع الدعاة وطلبة العلم على المضي قدما في مسيرة الخير والعطاء .
بالكلمة الطيبة تكسب الأم والأب قلوب أبنائهما ويضمنا صلاحهما .
بالكلمة الطيبة يكسب الزوج قلب زوجته ويتواصل معها بالتوجيه والنصح في مسيرة بناء الأسرة الصالحة .
بالكلمة الطيبة نصلح بين الناس ونعدل بينهم بشهادة الحق وندفع الظلم بالعدل والسوء بالإحسان قال تعالى : (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34-35].
بالكلمة الطيبة ندعو إلى الإسلام ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة في محاضرة أو كتاب أو شريط (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ [النحل: 125].
بالكلمة الطيبة نفسد مخططات الشيطان في التحريش بيننا وبين إخوتنا امتثالا لأمر الحق عز وجل: (وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَـانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَـانَ كَانَ لِلإِنْسَـانِ عَدُوّا مُّبِينًا [الإسراء: 53].
بالكلمة الطيبة نثري مسيرة الإعلام الإسلامي بالكلمة المسموعة على أعواد المنابر والمرئية عبر الفضائيات والمنتديات والحوارات والمؤتمرات والمكتوبة على صفحات الجرائد والمجلات .
بالكلمة الطيبة ندعو المخالفين الى الإسلام (وَلاَ تُجَـادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَـابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنهُمْ) [العنكبوت: 46]
بالكلمة الطيبة نقدم النصح للآخرين، فنهدي بإذن الله ضالاً، ونعلم جاهلاً، ونرشد تائهاً، ونذكر غافلاً (الدين النصيحة).
بالكلمة الطيبة نعلم أبناءنا احترام آباءهم وحقوق الوالدين والبر بهما ولين الجانب لهما: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الإسراء: 22، 23].
• -
بالكلمة الطيبة نتصدق على أنفسنا (( الكلمة الطيبة صدقة )) ونحسن للفقراء والمساكين ( قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) [البقرة: 263].
بالكلمة الطيبة نبذل شفاعة حسنة ونبلغ أمانة وننفس كربة ونواسي مكلوما ونخفف عن مريض ..
بالكلمة الطيبة نقدم رأياً صائبا ونقترح فكرة حسنة تنهض بأمتنا وترقى بمستوى شبابنا .
بالكلمة الطيبة نبلغ آية ونروي حديثاً وننقل فتوى تحيي سنة وتميت بدعة في مجالسنا ومراسلاتنا ومعاملتنا وتجارتنا وحضرنا وسفرنا ..
بالكلمة الطيبة ننمي مواهب الناشئة من أبنائنا وبناتنا ونأخذ بأيدي الطلبة على مقاعد الدرس ببث روح الثقة والدعم المعنوي والهداية إلى الصواب .

فالله الله ، فيما تقولون وما تنطق به ألسنتكم وأفواهكم ، حتى تكتب لكم كلماتكم في ميزان حسناتكم .. اللهم احفظ ألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، وقلوبنا من النفاق ، وجوارحنا من المعصية.. وارزقنا لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا وقرة عين لا تنقطع ..
القول السديد
بعد أن نهى الله المسلمين عما يؤذي النبيء صلى الله عليه وسلم وربأ بهم عن أن يكونوا مثل الذين آذوا رسولهم، وجه إليهم بعد ذلك نداء بأن يتسموا بالتقوى وسداد القول لأن فائدة النهي عن المناكر التلبس بالمحامد، والتقوى جماع الخير في العمل والقول. والقول السديد مبث الفضائل.
وابتداء الكلام بنداء الذين آمنوا للاهتمام به واستجلاب الإصغاء إليه. ونداؤهم بالذين آمنوا لما فيه من الإيماء إلى أن الإيمان يقتضي ما سيؤمرون به. ففيه تعريض بأن الذين يصدر منهم ما يؤذي النبيء صلى الله عليه وسلم قصدا ليسوا من المؤمنين في باطن الأمر ولكنهم منافقون، وتقديم الأمر بالتقوى مشعر بأن ما سيؤمرون به من سديد القول هو من شعب التقوى كما هو من شعب الإيمان.
والقول: الكلام الذي يصدر من فم الإنسان يعبر عما في نفسه.
والسديد: الذي يوافق السداد. والسداد: الصواب والحق ومنه تسديد السهم نحو الرمية، أي عدم العدول به عن سمتها بحيث إذا اندفع أصابها، فشمل القول السديد الأقوال الواجبة والأقوال الصالحة النافعة مثل ابتداء السلام وقول المؤمن للمؤمن الذي يحبه: إني أحبك.
والقول يكون بابا عظيما من أبواب الخير ويكون كذلك من أبواب الشر.
وفي الحديث: «وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»
،
وفي الحديث الآخر: «رحم الله امرأ قال خيرا فغنم أو سكت فسلم»
،
وفي الحديث الآخر: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» .
ويشمل القول السديد ما هو تعبير عن إرشاد من أقوال الأنبياء والعلماء والحكماء، وما هو تبليغ لإرشاد غيره من مأثور أقوال الأنبياء والعلماء. فقراءة القرآن على الناس من القول السديد، ورواية حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من القول السديد.
وفي الحديث: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها»
وكذلك نشر أقوال الصحابة والحكماء وأيمة الفقه. ومن القول السديد تمجيد الله والثناء عليه مثل التسبيح. ومن القول السديد الآذان والإقامة قال تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب في سورة فاطر [10] . فبالقول السديد
تشيع الفضائل والحقائق بين الناس فيرغبون في التخلق بها، وبالقول السيء تشيع الضلالات والتمويهات فيغتر الناس بها ويحسبون أنهم يحسنون صنعا. والقول السديد يشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولما في التقوى والقول السديد من وسائل الصلاح جعل للآتي بهما جزاء بإصلاح الأعمال ومغفرة الذنوب. وهو نشر على عكس اللف، فإصلاح الأعمال جزاء على القول السديد لأن أكثر ما يفيده القول السديد إرشاد الناس إلى الصلاح أو اقتداء الناس بصاحب القول السديد.
وغفران الذنوب جزاء على التقوى لأن عمود التقوى اجتناب الكبائر وقد غفر الله للناس الصغائر باجتناب الكبائر وغفر لهم الكبائر بالتوبة، والتحول عن المعاصي بعد الهم بها ضرب من مغفرتها.
ثم إن ضميري جمع المخاطب لما كانا عائدين على الذين آمنوا كانا عامين لكل المؤمنين في عموم الأزمان سواء كانت الأعمال أعمال القائلين قولا سديدا أو أعمال غيرهم من المؤمنين الذين يسمعون أقوالهم فإنهم لا يخلون من فريق يتأثر بذلك القول فيعملون بما يقتضيه على تفاوت بين العاملين، وبحسب ذلك التفاوت يتفاوت صلاح أعمال القائلين قولا سديدا والعاملين به من سامعيه، وكذلك أعمال الذي قال القول السديد في وقت سماعه قول غيره.
وفي الحديث: «فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» ،
فظهر أن إصلاح الأعمال متفاوت وكيفما كان فإن صلاح المعمول من آثار سداد القول، وكذلك التقوى تكون سببا لمغفرة ذنوب المتقي ومغفرة ذنوب غيره لأن من التقوى الانكفاف عن مشاركة أهل المعاصي في معاصيهم فيحصل بذلك انكفاف كثير منهم عن معاصيهم تأسيا أو حياء فتتعطل بعض المعاصي، وذلك ضرب من الغفران فإن اقتدى فاهتدى فالأمر أجدر.
وذكر لكم مع فعلي يصلح- ويغفر للدلالة على العناية بالمتقين أصحاب القول السديد كما في قوله تعالى: ألم نشرح لك صدرك [الشرح: 1] .
وجملة ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما عطف على جملة يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم أي وتفوزوا فوزا عظيما إذا أطعتم الله بامتثال أمره. وإنما صيغت الجملة في صيغة الشرط وجوابه لإفادة العموم في المطيعين وأنواع الطاعات فصارت الجملة بهذين العمومين في قوة التذييل. وهذا نسج بديع من نظم الكلام وهو إفادة غرضين بجملة واحدة.

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ... (70)}
التقوى عند المتقدمين هي الإيمان، وعند المتأخرين أخص منه.
وقال الإمام مالك رحمه الله في المتعة في قوله (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) و (عَلَى الْمُتقِينَ).
وقال: إن كنت متقيا [فمتع*]، فإن كانت بمعنى الإيمان فتعني الأمر بالتقوى، أما المداومة عليها كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا)، [يَا أَيُّهَا*] الذين آمَنوا ظاهرا بألسنتهم آمِنوا باطنًا بقلوبكم.
قوله تعالى: (سَدِيدًا).
أي مستقيما.
كقوله: أعلِّمه الرماية كل يوم ... فلمَّا اشتدَّ ساعدهُ رماني
على روايته بالسين المهملة.
{قَوْلاً سَدِيداً:} لا خلل فيه لصدقه ومتانته، وأسدّ الأقوال قول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، (9) ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... (71)}
المراد من يفعل جميع الطاعات أو أكثرها، وليس المراد مطلق الطاعة، لئلا يكون فيه حجة للمرجئة القائلين: بأن مجرد النطق بالشهادتين كافٍ في دخول الجنة.

قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما .

قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا أي قصدا وحقا . وقال ابن عباس : أي صوابا . وقال قتادة ومقاتل : يعني قولوا قولا سديدا في شأن زينب وزيد ، ولا [ ص: 229 ] تنسبوا النبي إلى ما لا يحل . وقال عكرمة وابن عباس أيضا : القول السداد لا إله إلا الله . وقيل : هو الذي يوافق ظاهره باطنه . وقيل : هو ما أريد به وجه الله دون غيره . وقيل : هو الإصلاح بين المتشاجرين . وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض . والقول السداد يعم الخيرات ، فهو عام في جميع ما ذكر وغير ذلك .

وظاهر الآية يعطي أنه إنما أشار إلى ما يكون خلافا للأذى الذي قيل في جهة الرسول وجهة المؤمنين . ثم وعد جل وعز بأنه يجازي على القول السداد بإصلاح الأعمال وغفران الذنوب ; وحسبك بذلك درجة ورفعة ومنزلة . ومن يطع الله ورسوله أي فيما أمر به ونهى عنه . فقد فاز فوزا عظيما .

فيا أيها الذين آمنوا قال الله تعالى  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)(النساء:1) وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب:70-71) فاتقوا الله عباد الله اتقوا الله تعالى بطاعته أن تقوموا بما أمر الله به وان تنتهوا عما نهي الله عنه أن هذه هي التقوى لأنكم بذلك تتخذون وقاية لكم من عذاب النار عباد الله إن الله تعالى إذا أنعم على عباده نعمه فإن الواجب عليهم أن يشكروها سواء أكانت نعمة أكل وشرب أم نعمة وطمأنينة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة:172) وهذا هو ما أمر الله به الرسل عليهم الصلاة والسلام (  )يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (المؤمنون:51) أيها المسلمون إن شكر النعم قيد لها من الزوال بل إن شكر النعم سبب لزيادتها كما قال الله عز وجل (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (ابراهيم:7) أيها الأخوة إن الشكر به ازدياد النعم وإن الشكر به تتمحض النعم نعما في الحال والمآل أما إذا كفرت النعم فإن ذلك سبب لزوالها ومعول لهدمها وأذكروا قصة أصحاب سبأ حين قال الله تعالى فيهم (لقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ*فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ) السيل الجارف (وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) (سـبأ:15-16) لماذا تبدلت الحال لماذا تبدلت تلك الحال إلى هذه قال الله عز وجل (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (سـبأ:17) وقال الله تعالى (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112) أيها الأخوة هذان مثلان لبلدين أنعم الله عليهما بنضارة الدنيا ورغد العيش بدلوا نعمة الله كفرا أعرضوا عن دين الله ارتكبوا محارم الله فأبدلهم الله بالنعمة نغما وبرغد العيش نكدا أفتظنون أن الله تعالى يحابي أحدا من خلقه أتظنون ان الناس في مأمن من مثل هذه العقوبة إذا هم كفروا نعمة الله كلا والله إن سنن الله تعالى في عباده واحدة وليس دين الله لأحد دون أحد وليس بين الله وبين  أحد من الناس نسب اسمعوا قول الله تعالى () فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً* اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) (فاطر:42-43) وأسمعوا قول الله عز وجل (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) (محمد:10) أيها الأخوة إن نعم الله علينا في هذه البلاد كثيرة منها إقامة دين الله بقدر المستطاع فما نعلم أحد في الدنيا من الدول يطبق من دين الله مثل ما يطبق هذه مثل ما يطبق أهل هذه البلاد وهذه نعمه يجب علينا ان نشكرها وأن نسأل الله تعالى مزيدا من ذلك وإن مما أنعم الله به علينا كثرة الأموال بين أيدي كثير من الناس لكنهم لا يحسنون استعمالها بل يسيئون استعمالها أسوأ استعمال ومن ذلك  تلك السيارات التي ملأت البلاد والبر وقادها الصغير والكبير والعاقل والسفيه والمتعلم وغير المتعلم فهل نحن شكرنا هذه النعمة لقد كانت البلاد قبل سنوات لا يوجد في البلد كله إلا سيارات تعد بالأصابع أما الآن فصار كل بيت عنده من السيارات أكثر من واحدة إلا ما شاء الله ولكن هل نحن شكرنا هذه النعمة هل نحن أحسنا التصرف فيها هل نحن أخذنا على يد السفهاء حتى لا يستعملوها فيما لا ينفع بل فيما يضر لقد استعمل بعض الناس هذه السيارات في أغراضه السيئة والوصول إلى مآربه السافلة فصار يفر بها إلى البر ليتناول ما تهواه نفسه بعيدا عن الناس وبعيدا عن أيدي الإصلاح صار يخرج بها عن البلد ليضيع ما أوجب الله عليه من إقامة الصلاة في وقتها مع الجماعة فهل يمكن أن يقال لمثل هذا أنه شاكر لنعمة الله هل يمكن أن نقول إن مثل هذا آمن من عقوبة الله كلا  والله ( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)(لأعراف: من الآية99) فأمثال هؤلاء  لم يشكروا نعمة الله فأمثال هؤلاء  لم يشكروا نعمة الله وليسوا في مأمن من عقوبته أيها الأخوة لا تظنوا أن العقوبة دمار الديار وفساد الثمار  ولكن هناك عقوبة أشد وأفظع ألا وهي عقوبة الدين ضعف الإيمان في القلوب مرض القلوب أشد من ضعف الأجساد ومرضها أيها الأخوة لقد استعمل بعض الناس هذه السيارات فلم يحسن التصرف فيها وكلها إلا قوم صغار السن أو إلى قوم كبار السن ولكنهم صغار العقول أو إلى قوم ليسوا صغار في العقول وليسوا صغارا في السن ولكنهم لا يحسنون القيادة ولا يعرفون نظمها ولذلك تجد الواحد منهم متهورا لا يراعي أنظمة ولا يبالي بالأرواح ولا بالأموال سرعه جنونية في البلد وخارج البلد ونعني بالسرعة الجنونية كل سرعة تزيد على ما كان ينبغي أن يسير عليه ومن المعلوم أن السرعة تختلف بإختلاف المكان واختلاف الزمان واختلاف الأحوال فليست السرعة ليست السرعة في البلد كالسرعة خارج البلد وليست السرعة في وقت الضباب كالسرعة  في وقت الصحو وليست السرعة في مكان خالي من الناس كالسرعة في مكان مزدحم بالناس وليست السرعة في طريق مستقيم كالسرعة في طريق كثير المنعطفات إن لكل حال فعالا فيجب على الإنسان أن يراعي مثل ذلك وإن كل عاقل ليعجب أن تعطي قيادة السيارات لهؤلاء الصغار الذين لا يستطيعون التخلص في ساعة الخطر وإن كل عاقل ليعجب من هؤلاء المتهورين الذين لا يراعون النظام ولا يراعون حرمة النفوس ولا يراعون أموال المسلمين مع أن الفرق مع أن الفرق في مراعاة النظام والسير المعتدل أمر بسيط فلو قدرنا أن شخصا أراد أن يسير بسرعة تبلغ مائة كيلو في الساعة فسار بسرعة تبلغ ثمانين فمعناه أنه لم يتأخر سوى أثنتي عشرة دقيقة في سير ساعة كاملة وست دقائق في سير نصف ساعة وثلاثة دقائق في سير ربع ساعة وما أيسر هذا التأخر الذي يكون سببا لوقاية النفوس والأموال من الخطر والذي يمكن أن يزول بأن يتقدم في مشيه بقدر هذا التأخر أيها الأخوة إن بعض الناس يتهاون بانظمة المرور تجده يخالف إما في السرعة وإما بالتعدي في الإشارات وكل هذا خطأ وغلط وكل هذا يعتبر إما تفريطا من الإنسان وإما اعتداء منه ولهذا كثرت الحوادث من اجل المخالفات كثرة كثره فاحشة وأصبح المصابون بها ما بين كسير وجريح وميت ليس بالأفراد فحسب ولكن بالأفراد أحيانا وبالجملة أحيانا نسأل الله تعالى أن يسلم ثم ماذا يترتب على هذه الحوادث تترتب أمور عظيمة خسائر مالية وخسائر روحيه ندم وحسرة في قلوب من تسببوا لهذه الحوادث إن كانت قلوبهم حية تخشى الله وترحم عباد الله وتريد أن تسلك مع الناس بالسيرة الحسنة وإن الإنسان إذا هلكت به نفس من جراء فعله المتهور فإنه يلزم من ذلك أمور, الأمر الأول إخراج هذا الميت من الدنيا وحرمانه من التزود بالعمل الصالح والإستعتاب من العمل السيئ ثانيا فقدان أهله وأصحابه له فقدان أهله وأصحابه له لا يتمتعون معه في الحياة ما أباح الله لهم الأمر الثالث إرمال زوجته وإيتام أولاده  إن كان ذا زوجة وعيال الأمر الرابع غرامة دية تسلم إلى ورثته أي إلى ورثة المقتول الأمر الخامس حرمان هذا المتسبب من الإرث إن كان الذي مات معه من مورثيه على ما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد خامسا الأمر الخامس وجوب الكفارة وهي حق لله وهي كفارة من أغلظ الكفارات عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما يوما واحد إلا من عذر شرعي أو حسي فإن أفطر قبل إتمامهما ولو بيوم واحد من دون عذر وجب عليه أن يبدأهما من جديد وهذه الكفارة حق لله عز وجل لا تسقط بعفو أهل الميت لا تسقط بعفو أهل الميت عن الدية فأهل الميت إذا عفو عن الدية إنما يكون به إسقاط الدية إن راءوا في إسقاطها مصلحة وأما الكفارة فإنهم لا يملكون إسقاطها لأنها حق لله عز وجل وهذه الكفارة تتعدد بتعدد الأموات بسبب الحادث فإذا كان الميت بهذا الحادث واحد فالصيام شهران وإن مات اثنان فالصيام أربعة أشهر وإن مات ثلاثة فالصيام ستة أشهر وهكذا لكل نفس شهران متتابعان لا يجزئ عنها إطعام ولا صدقة فاتقوا الله عباد الله اتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله في إخوانكم المسلمين اتقوا الله في المسلمين في أنفسهم وأموالهم واتقوا الله  بطاعة ولاة الأمور بالمعروف وأعلموا أن مخالفة أنظمة الدولة التي أوجب الله علينا طاعته في غير معصيته ليست مخالفة لبشر فقط ولكنها مخالفة للبشر ولخالق البشر فإن الله تعالى  أمرنا  بطاعة ولاة أمورنا في غير معصية الله قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) اللهم وفقنا للقيام بطاعتك وطاعة رسولك وطاعة ولاة الأمور فيما لا معصية فيه يا رب العالمين اللهم أعطي نفوسنا تقواها وذكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة: من الآية201) أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
السداد في القول
السداد في القول من شيم الأبرار، وشعار الأطهار، وتوفيق من العزيز القهار، القائم على كل نفس بما كسبت، وهو ثمرة مجاهدة طويلة، ومذاكرة للعلم مديدة، فالعلم يهذب المنطق ويجلو الفكرة ويسدد البيان، فالحمد لله الذي خلق فهدى وأنعم فأجزل النعم.
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم مخاطبا عباده المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 69-70]، ويقول سبحانه: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9]
هاتان الآيتان الكريمتان اختصتا بمصطلح قرآني وأدب رباني لم يرد في غيرهما من آيات الذكر الحكيم، وهو خلق ?السداد في القول?.
وفي اللغة: السداد والسدد: الاستقامة. والسَّدادُ: إصابةُ القَصد. وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض. قال ابن فارس: "ومن ذلك السَّديد، ذُو السَّداد، أي الاستقامة كأنّه لا ثُلْمة فيه". فالسداد بالمعنى العام هو التوفيق للصواب وإصابة القصد في القول والعمل.
غير أننا إذا تأملنا نصي ورود المصطلح نلاحظ أنهما يشتركان في أمور هي:
-
ارتباط السداد بالقول في الآيتين معا.
-
الدعوة إلى القول السديد مسبوقة في النصين بالدعوة إلى التقوى.
-
أن المأمور بالسداد هم المؤمنون لا غيرهم.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا } أي: في كل ما تأتون وما تذرون، لاسيما في ارتكاب ما يكرهه {قَوْلاً سَدِيداً} أي: قويماً حقاً صواباً.
قال القاشاني: السداد: في القول، الذي هو الصدق والصواب، هو مادة كل سعادة، وأصل كل كمال؛ لأنه من صفاء القلب، وصفاؤه يستدعي جميع الكمالات، وهو وإن كان داخلاً في التقوى المأمور بها، لأنه اجتناب من رذيلة الكذب، مندرج تحت التزكية التي عبر عنها بالتقوى، لكنه أفرد بالذكر للفضيلة، كأنه جنس برأسه، كما خص جبريل وميكائيل من الملائكة.
والقول يكون بابا عظيما من أبواب الخير ويكون كذلك من أبواب الشر. وفي الحديث: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم" [ أحمد والترمذي ] فبالقول السديد تشيع الفضائل والحقائق بين الناس فيرغبون في التخلق بها، وبالقول السيئ تشيع الضلالات والتمويهات فيغتر الناس بها ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
{
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } فجعل صلاحَ الأعمال وغفران الذنوب متوقفاً على سداد القول. وذكر { لَكُمْ } مع فعلي { يُصْلِحْ } { يَغْفِرْ } للدلالة على العناية بالمتقين أصحاب القول السديد كما في قوله تعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشرح: 1].
{
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ( والطاعة بذاتها فوز عظيم. فهي استقامة على نهج الله. والاستقامة على نهج الله مريحة مطمئنة. والاهتداء إلى الطريق المستقيم الواضح سعادة بذاته، ولو لم يكن وراءه جزاء سواه. وليس الذي يسير في الطريق المنير وكل ما حوله من خلق الله يتجاوب معه ويتعاون كالذي يسير في الطريق المقلقل المظلم وكل ما حوله من خلق الله يعاديه ويصادمه ويؤذيه! فطاعة الله ورسوله تحمل جزاءها في ذاتها؛ وهي الفوز العظيم، قبل يوم الحساب وقبل الفوز بالنعيم. أما نعيم الآخرة فهو فضل زائد على جزاء الطاعة. فضل من كرم الله وفيضه بلا مقابل. والله يرزق من يشاء بغير حساب). [ في ظلال القرآن ].
قال - صلى الله عليه وسلم -: " لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ" [ أحمد ] فالتحرّي في المنطق منهج الصادقين، وطريقة المؤمنين الصالحين، ومن علامات فضل الإنسان وصلاحه: ? صلاحُ قوله وفعله ?، ومن لم يعتنِ بما يقول ويعاتب نفسه على زلات لسانه فهو ناقص الدين والعقل والتجربة.
قال أبو جعفر محمد بن يعقوب: كل صواب من القول ورث فعلا صحيحا فهو حكمة.
ومن الأدعية التي يرجى نفعها في هذا الأمر ما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا - رضي الله عنه - أن يدعو به: " اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، وبالسداد سداد السهم ". وفي رواية: " اللهم إني أسألك الهدى والسداد " [مسلم].
قال القاضي: أمره بأن يسأل اللّه الهداية والسداد، وأن يكون في ذلك مخطراً بباله أن المطلوب هداية كهداية من ركب متن الطريق وأخذ في المنهج المستقيم، وسداداً كسداد السهم نحو الغرض، والمعنى أن يكون في سؤاله طالباً غاية الهدى ونهاية السداد.
نماذج طيبة
كان الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله رجلاً صالحًا عاقلاً، وقورًا كاملاً، مفرط الذكاء، وأكثر ما كان من صفاته بعد سيادته في العلم وانقطاعه له ما كان من زهده وورعه؛ إذ كان متقللاً من الدنيا جدًّا، متقشفًا متعبدًا، صبورًا على خشونة العيش وضيقه، وكان يقول: "إني لأغلق عليَّ بابي فما يجاوزه همي".
وليس أدل على ذلك مما حكاه عنه تلميذه النضر بن شميل حيث قال: " أقام الخليل في خُصٍّ من أخصاص البصرة، لا يقدرُ على فَلْسَيْنِ، وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال" أي كان الناس يأكلون الدنيا بعلمه - رحمه الله -، كان بعضهم إذا أخذوا العلم عنه قربهم الحاكم وصاروا من حاشيته.
أرسل الأمير إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي - رحمه الله - ليخبره إن كان يريد منه أن يصله بشيء، فقال له الخليل: " أنا مستغنٍ عنك بالذي أغناك عني ".. فانظر إلى بليغ قوله وسداد رأيه رحمه الله.
ومن حكايات زهده أن سليمان بن عليٍّ والي البصرة وجَّه إليه يلتمس منه الشخوص إليه وتأديب أولاده نظير راتب يُجرِيه عليه، فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزًا يابسًا، وقال: ما عندي غيره، وما دمت أجده فلا حاجة لي في سليمان. فقال الرسول: فماذا أبلغه عنك؟ فأنشأ يقول:
أبلغ سليمان أني عنـه في سعـةٍ      ***       وفي غِنًى غير أني لسـت ذا مـالِ
سخي بنفسيَ أني لا أرى أحـدًا      ***        يموت هزلاً ولا يبقي على حـالِ
والفقر في النفس لا في المال نعرفه ***       ومثل ذاك الغنى في النفس لا المـالِ
فالرزق عن قَدَرٍ لا العجز ينقصـه   ***        ولا يزيـدك فيه حَـْولُ محتـال
فقطع عنه سليمان الراتب، فقال الخليل:
إن الذي شقَّ فمي ضامن ***  للـرزق حتى يتوفـاني
حرمتني خيرًا قليلاً فما    ***  زادك في مالك حرمـاني
فبلغت سليمان، فأقامته وأقعدته، وكتب إلى الخليل يعتذر إليه، وأضعف راتبه، فقال الخليل:
وزَلَّة يكثر الشيطان إن ذكرت *** منها التعـجب جاءت من سليمـانا
لا تعجبَنَّ لخيرٍ زلَّ عن يـده *** فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا
 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يقول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الأحزاب: 70-71.
ويقول في آية أخرى:﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ق: 18.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين﴾ الحجرات: 6
على كل مسلم أن يخاف أن يقول ما لا يعرف، وينشر شائعات لا أساس لها.
قد كثر في الآونة الأخيرة في الأنترنت عدد “الكتاب”، يكتبون خصوصا ويكثرون حول الفتنة الواقعة بين المجاهدين في الشام.
أولا: يكتبون وينشرون الأخبار الغامضة وغير الواضحة التي سمعوها من هنا وهناك.
ثانيا: يتدخلون فيما لا يعنيهم ويحاولون أن يحلّوها. الجهلة الأمييون يكتبون ويتكلمون أكثر من العلماء.
الجاهل إن قال ما لا يعرف يأثم وإن أصاب.
أقوال الجهال لن تبقى بلا إثم،  لأنهم يقولون ما لا يعلمون، قيل وقال وينشرون الجدال العقيم. يشاركون في الثرثرة والعبس التي نهت الشريعة عنها. الجاهل كلف نفسه عمل العالم!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ  حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ” رواه مسلم.
هل يستوي الجاهل (الذي لم يقدم شيئا مفيدا طوال حياته ودرس في محرك الغوغل” مفترشا)، والعالم (الذي أمضى حياته في البحث عن المعارف والذي لم يعرف النوم والراحة وترك وطنه لأجل طلب العلم)؟
لا تُسألون يوم القيامة عند وقوفكم أمام الله، لم لم تخوضوا في جدال معين وإنما تُسألون لماذا انضممتم في فتنة وقلتم ما ليس لكم به علم.
لم لم تتركوا التوضيح للعلماء، وأنتم لستم منهم؟
اتقوا الله فيما تقولون وفيما تنقلون. ما خضتم فيه فهو خطير جدا، لأنه يتعلق بدماء المسلمين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق.
ربما تكون كلمتكم سببا لحل دم مسلم بغير حق، وأنتم لا تقصدونها وبسبب تلك الكلمة سوف تلقون في نار جهنم.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم
[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه, ومالك في الموطأ]
يا أهل الجهاد، أنتم قدوة للجميع!
لا يليق بكم القيل والقال مثل النساء، ونقل الشاءعات ونشر الأكاذيب، اتقوا الله!
ما هو عالمٌ أهله أتركوا للعالم، وأدوا واجبكم وما عليكم.
وإذا الكل يكف لسانه، وإذا الجاهل يعرف حدوده، فهذه الفتنة بين المجاهدين ستنتهي.
يقول الله تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ النور: 15
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ”.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ
[رواه البخاري ومسلم]
قال النووي في شرح الأربعين في شرح هذا الحديث: ” قال الشافعي: معنى الحديث إذا أراد أن يتكلم فليُفكر، فإن ظهر أنه لا ضرر عليه تكلم، وإن ظهر أن فيه ضرراً وشك فيه أمسك”.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل سؤال العارف، فقال:
أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المفلس الذي لا درهم له ولا دينار، قال: لا، المفلس من أتى بصلاة، وصيام، وصدقة، يأتي وقد شتم هذا، وسب هذا، وأخذ مال هذا، وضرب هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته، طرحوا عليه سيئاتهم، حتى يُطرح في النار”.
وفي حديث آخر عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : “إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، وَتَقُولُ : اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَ، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا”.
ثانيا: معرفة ما هو القول السديد
القول السديد: هو القول الصادق الصحيح الخالي من كل انحراف عن الحق والصواب، مأخوذ من قولك: سدد فلان سهمه يسدده، إذا وجهه بإحكام الى المرمى الذي يقصده فأصابه. ومنه قولهم: سهم قاصد. إذا أصاب الهدف. ذكره الطنطاوي في تفسيره الوسيط.
وقال القرطبي في تفسيره: أن قوله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا" أي قصدا وحقا .
ثم قال بعدها:
"
وقال ابن عباس : أي صوابا .
وقال قتادة ومقاتل : يعني قولوا قولا سديدا في شأن زينب وزيد ، ولا تنسبوا النبي إلى ما لا يحل .
وقال عكرمة وابن عباس أيضا : القول السداد لا إله إلا الله .
وقيل : هو الذي يوافق ظاهره باطنه .
وقيل : هو ما أريد به وجه الله دون غيره .
وقيل : هو الإصلاح بين المتشاجرين .
وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض .
والقول السداد يعم الخيرات ، فهو عام في جميع ما ذكر وغير ذلك ". اهـ
والحاصل أن القول السديد قد يشمل كل هذا لأنه صياغة الجملة القرآنية بالتنكير، وعلى هذا فالقول السديد هو ما كان صوابا في نفسه مرادا به وجه الله، فهذا هو القول السديد وهو القول الحسن وهو القول الطيب.
وكثيرا ما دلت الآيات على ذلك وحثت عليه، قال تعالى" وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" البقرة، و قال تعالى "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)" الحج. ففى الحديث : "....فليقل خيرا أو ليصمت " فخيّرنا رسول الله بين قول الخير أو الصمت.

وعلى هذا فإن اللغو والكذب والغيبة والنميمة وترويج الإشاعات وعدم التثبت من الأخبار والسخرية ليست من القول السديد، وقد تواترت أدلة الكتاب والسنة بالتحذير منها:
أما اللغو:- وهو ما لا فائدة من الكلام به- فقد مدح الله المؤمنين بالإعراض عنه، والمد بترك شئ يقتضي ذم هذا الشئ، قال تعالى:" وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)"المؤمنون، وقال تعالى" وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)"الفرقان، و قال تعالى" وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)"القصص. وأيضا فإن من علو الهمة ترك ما لا خير فيه، والإكثار من اللغو غالبا ما يؤدي إلي القول المحرمز
وأما الكذب: ففي الحديث الذي رواه البخاري تحذير منه "..وإيَّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور، وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار، وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذَّابًا))
وأما الغيبة: قال تعالى عنها" وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)"الحجرات
وأما النميمة: جاء في الحديث تحذير منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ" رواه البخاري ومسلم. وقال تعالى : (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (سورة القلم:10،11)
وأما ترويج الإشاعات وعدم التثبت من الأخبار: فمنهيّ عنها، قال تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)" الحجرات
وأما السخرية: فإنها من البلاء في أيامنا هذه بمكان، ففى خضم هذه الأحداث وسرعتها تناسى أقوام أنهم عن ألسنتهم سيُسألون وبما لفظوه سيُقيدون! حتى صار دأب بعضهم اللغو و آخرين السخرية وليت شعرى أى نافع حازوه بل إن شئت فقل كم من خير تركوه !
إن السخرية من الآخرين لها عدة أوجه أن يكون الساخر على حق و المسخور منه على باطل أو العكس.
فأما فى الحالة الأولى فهذا خطأ من وجوه :
منها : أن السخرية للمتأمل فى القرآن دأب أهل الباطل وديدنهم، والقارئ المتدبر للقرآن سيبصر هذا الأمر جيدا.
ومنها : أنها فى ذاتها ليس فيها نفع، فهى لا تجلب حسنة ولا تمحو سيئة.
ومنها : أن من صفات المؤمنين "وهدوا إلى الطيب من القول " فالسخرية لا يمكن وصفها أنها من طيب القول، إذن ففاعلها تخلى عن صفة من أهم صفاتهم !
ومنها : أنها تلهى عن ذكر الله، واللسان الذى ذاق حقًا لذة ذكر الله لأشتغل به عن كل ما سواه بل إنه إن انشغل بغيره عنه عاد بالائمة على نفسه.
ومنها : أنها تلهى كذلك عن الدار الآخرة ففاعلها مغبون، لأنه اضاع وقتا كان اسثماره بالخير خير، فإذا كان الانشغال بالمفضول عن الأفضل من خلل فى الفهم، فكيف بما دون المفضول !! ، ابن تيمية -رحمه الله - قال فى آخر عمره "ندمت على تضييع أوقاتى فى غير معانى القرآن " وهو من هو ؟!! الذى قضى عمره فى العلم والتعليم وقمع أهل البدع ودحض شبهاتهم، ولكن قال ذلك لأنه لما أبحر فى كنوز القرآن ندم أن انشغل بغيره عنه.
ومنها : أن الذى دأبه هذا فى حقيقة الأمر إن كان مخالفه على باطل إلا أنه مشغول بعيب غيره عن عيب نفسه، وبالتالى مشغول عن إصلاح نفسه.
ومنها : إن المسخور منه إذا كان على باطل فهو أقل من أن يتحدث فى شأنه، إلا فى حالة تحذير الناس منه إذا خُشى منه الفتنة ولكن لابد حينها أن تكون لله وحده لإحقاق حق أو إبطال باطل ليس مجرد شهوة كلام أو شهوة إزدراء الآخرين أو شهوة إعلاء نفسه على الآخرين بإزدراءهم _ فإن بعض الناس لا يمدح نفسه لأنه يعلم أن ذلك من العجب لكن الشيطان قد يُلبّس عليه فيدفعه للعجب عن طريق إزدراء الآخرين _ فإن كلامه لله تكلم و إن دخلت على نيته الدواخل فليصمت فإن صمته حينئذ خير من كلامه لأن صمته حينها لله أما حديثه حين حظ نفس ، ففى الحديث : "....فليقل خيرا أو ليصمت " فخيّرنا رسول الله بين قول الخير أو الصمت و الخير لا يكون خير إلا إذا كان لله.
ومنها : أنه فى بعض الأحيان يكون فعل المسخور منه خطأ لكنه رجل له من الفضل الكثير فهنا لا ينبغى أن ننظر إلى سيئاته ونغض الطرف عن حسناته فهذا ليس عدلا ومن هذا دأبه فليراجع قلبه _إن كان له قلب _ ولينيب إلى ربه ، قال ابن حجر الهيثمي في الزواجر:" كل من رأيته سيء الظنّ بالناس طالباً لإظهار معايبهم فاعلم أنّ ذلك لخُبْثِ باطنه وسوء طَوِيَّتِه".
ومنها : أن من باب درئ المفاسد عدم السخرية للباطل وأهله لئلا يسخرون هم من الحق وأهله ،قال تعالى "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ".
أما فى الحالة الثانية ( أن يكون الساخر على باطل و الآخر على حق ) فهذا ظلم من وجوه :
منها : أن هذا يُنبأ عن عشى البصيرة وعمى القلب، فيرى الحق باطلًا والباطل حقًا.
ومنها: أن هذا الساخر يقع فى الغيبة و البهتان وآفات اللسان.
ومنها : أنه المسخور منه إن كان مثلا عالما من العلماء الربّانبين فقد أهلك الساخر نفسه لأنه عادى أولياء الله ، فليس بعد الأنبياء خير من العلماء فهو ورثتهم ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إن الله قال ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب .... " رواه البخارى.
ولو تدبر المرئ هذا الأية لكفته : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)" الحجرات، وهذا الحديث لكفاه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، ولا يدخل الجنة رجل لا يأمن جاره بوائقه" .صححه الألباني. وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :" عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ، ما تجمل الخلائق بمثلهما" حسنه الألباني.

ثالثا: معرفة أن تحقيق التقوى وقول السداد سبب صلاح الأعمال وغفران الذنوب:
وهذا نظير قوله تعالى:" وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)"، وقوله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)"الأنفال. وقد تقدم "... أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ). وحديث:" :" لايستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولايستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل رجل الجنة لايأمن جاره بوائقه ) ومعلوم أن الإيمان هو أصل صلاح العبد وسعادته. وجاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري. وجاء في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن معاذ بن جبل أن اللسان من أكثر ما يكب الناس في النارفعَن مُعَاذ بن جَبَلٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ الله أَخبِرنِي بِعَمَلٍٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعدني منٍ النار قَالَ: (لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيْمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيْرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللهَ لاَتُشْرِكُ بِهِ شَيْئَا، وَتُقِيْمُ الصَّلاة، وَتُؤتِي الزَّكَاة، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيْئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ تَلا : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ: (يَعْملُونَ) [السجدة:16-17] ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ قُلْتُ: بَلَى يَارَسُولَ اللهِ، قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ وَذروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخبِرُكَ بِملاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ:بَلَى يَارَسُولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. قُلْتُ يَانَبِيَّ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَامُعَاذُ. وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ).
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه: كلما كان القول أكثر سدادا كلما كان ذلك أعون للإنسان لتوفيقه لصالح الأعمال، ولكن قد يقال هل بعض القول أكثر سدادا من بعض أم أن القول السديد كله في منزلة واحدة وهي السداد؟ والجواب: أن بعض القول أحسن وأكثر سدادا من بعض، فالقرآن أفضل الذكر على الإطلاق، والقرآن نفسه فيه فاضل ومفضول*، ولا إله إلا الله أفضل الذكر المطلق، وعموم الذكر أفضل من تصانيف العلماء على عظيم نفعها، وهذا أمر ملموس؛ فإنك لو قرأت كتابا فريدا في بابه ولكنه جاف من حيث تضمنه للوحي لوجدت شئ من الغين أو شئ قسوة في القلب بينما القلب يلين ولابد كلما كثر ذكره لله. ومع هذا قد يكون القول بالمفضول أفضل من الفاضل في بعض الأوقات فمثلا بعد الفجر الأفضل فيه أذكار الصباح وهي أولى من قراءة القرآن في هذا الوقت، والأذكار الخاصة أفضل في وقتها من الأذكار العامة، وإنكار المنكر في وقته أفضل من مطلق الذكر، وهكذا. والعلم بهذا يقتضي تحري أفضل الأقوال في أفضل الأوقات، وهذا باب نفيس يوفق الله له من يصطفي من عباده، والله المستعان.
ويلاحظ في الآية أن:
-التعبير بقوله"يصلح لكم" فيه نسبة صلاح الأعمال لله، وهذا فيه إشارة أن الله هو المنعم بها على الحقيقة فهي محض فضل الله المنّان الوهّاب، وليس للعبد يد في ذلك، إلا أنه يسعى لاستمطار رحمة الله ومنته بالتزام التقوى وسداد القول.
- التعبير بلفظ "أعمالكم" بصيغة الجمع فيها بيان لواسع نعم الله وفتوحه على المتقين من عباده، فهو يصلح أعمالهم على اختلافها، وهذا نظير قوله تعالى"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ"العنكبوت، فهنا أيضا سبل بصيغة الجمع وليس سبيل واحد.

رابعا: معرفة أن طاعة الله ورسوله عليها مدار سعادة الإنسان وفوزه:
وهذا نظير قوله تعالى"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)" آل عمران، وقوله تعالى"قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)"النور، وقوله تعالى:"إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)"النور، والتعبير هنا بإنما يفيد الحصر، فليس للمؤمن سبيل غير طاعة الله ورسوله. فمن علامات صدق الإيمان وقوته متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم واقتفاء سننَه دقت أم جلت، ظهرت أم خفيت. فالصادقون يفعلون الواجبات والمستحبات، ويدعون المحرمات والمكروهات. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم والتابعين يسألون عن سنة النبي فيفعلونها فرضا كانت أم نفلا لا كحال كثير اليوم يسأل عن السنة فإن كانت فرضا أخذها وإن كانت نفلا ربما تركها!

هناك تعليق واحد:

  1. اللهم اني استودعك لساني 5لا تجعله ينطق الا بما تحب و ترضا

    ردحذف