الخميس، 25 يونيو 2015

النداء السادس: في حرمة التناجى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول والإذن في التناجى بالبر والتقوى

الآيتان (9 - 10) من سورة المجادلة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} .
الشرح:
نادى الله تبارك تعالى عباده المؤمنين بقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، لأن المؤمن بحق حي يسمع النداء ويعي ما يقال له، وذلك لكمال حياته ناداهم ليربيهم روحيا، ويهذبهم أخلاقيا. وكيف لا، وهو مولاهم ووليهم، وهم عبيده وأولياؤه. فقال لهم: {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} لأمر استدعى ذلك منكم، {فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} حتى لا تكون حالكم كحال اليهود والمنافقين الذين يتناجون بالإثم أي بما هو إثم في نفسه، كما يتناجون بما هو عدوان على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، ومعصية لله والرسول؛ إذ كانوا يتواصون فيما بينهم بعدم طاعة الله والرسول؛ لذا نهى تعالى أولياءه المؤمنين أن يتناجوا {بِالْأِثْمِ} وهو الغيبة وبذاء القول وسيئه، {وَالْعُدْوَانِ} وهو الظلم، {وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} أي بعدم طاعته في بعض ما يأمر به أو ينهى عنه. فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} أي إذا استدعى الأمر مفاجأة بعضكم لبعض في تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول كما هي حال أعدائكم من اليهود والمنافقين. إذ نزل فيهم قرآن وهو قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ ….} الآيات ثم بعد أن نهى الله تعالى المؤمنين عن المناجاة المشابهة لمناجاة اليهود والمنافقين، أذن لهم في التناجى بما هو خير وطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: {وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ} الذي هو الخير بمعناه العام حيث لا لإثم فيه ولا شر والتقوى التي هي طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أمرهما ونهيهما. ثم أمرهم عز وجل بتقواه فقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} مشيرا إلى موجبها وهو كونهم يحشرون إليه يوم القيامة فيحاسبهم ويجزيهم بأعمالهم، لذا هم في حاجة إلى تقواه عز وجل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم لينجوا ويفوزوا يوم القيامة، ينجوا من النار ويفوزوا بدخول الجنة.
ولنستمع إلى حديث أحمد - رحمه الله - عن ابن عمر رضى الله عنهما فإنه يقرر ما تقدم ويوضحه أيما توضيح. قال: حدثنا بهز وعفان قالا أخبرنا همام عن قتاده عن صفوان بن محرز قال: آخذا بيد ابن عمر، إذ عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى النجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يدنى المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ".
وقوله تعالى فى هذا النداء {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} أي هو الدافع إليها والحامل عليها من أجل أن يوقع المؤمنين في الغم والحزن، ومن هنا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التناجى فقال: " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن لا يحزنه ذلك ". وقال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر في الصحيح: " إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد "، وعلى هذا أكثر أهل السلف وعلماء الخلف، فلا يجوز أن يتناجى اثنان دون الثالث ولا ثلاثة دون الرابع، ولا خمسة دون السادس لما يوجده ذلك من غم وحزن وخوف للمؤمن الذين تناجى إخوانه دونه وهم في مجلس واحد، وليس هذا خاصا بحالة حرب أو خوف بل هو عام في سائر الظروف والأحوال، وفى القرآن الكريم يقول الله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} 1 حينئذ تجوز المناجاة لأنها في الصالح العام.
وقوله تعالى في نهاية النداء: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} أي هو الخامل عليها لإيجاد أذى بيت المؤمنين {وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} . أي فلا ينبغى للمؤمن أن يغتم أو يحزن من المناجاة إذا حصلت من يهودي، أو منافق، فضلا عن أن تكون من مؤمن. وليتوكل على الله ويفوض أمره إليه فإنه وليه وحافظه من كل ما يؤذيه أو يسئ إليه.
والعاقبة للمتقين وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين

سبب النزول:
نزول الآية (8) :
أَلَمْ تَرَ ... :
أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيّان قال: كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة، فكانوا إذا مرّ بهم رجل من الصحابة، جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله، أو بما يكرهه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى، فلم ينتهوا، فأنزل الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى الآية.
وأخرج أحمد والبزار والطبراني بسند جيد عن عبد الله بن عمرو: أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سام عليكم، ثم يقولون في أنفسهم: يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ، فنزلت الآية: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ.
وقال ابن عباس ومجاهد: نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم، وينظرون إلى المؤمنين، ويتغامزون بأعينهم، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا: ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو موت أو مصيبة أو هزيمة، فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم، فلا يزالون كذلك حتى يقدم أصحابهم وأقرباؤهم، فلما طال ذلك وكثر، شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يتناجوا دون المسلمين، فلم ينتهوا عن ذلك، وعادوا إلى مناجاتهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية «1» .

نزول قوله تعالى: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ:
عن عائشة قالت: جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم وفعل الله بكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه، يا عائشة، فإن الله تعالى لا يحبّ الفحش ولا التفحش، فقلت: يا رسول الله، ألست أدري ما يقولون؟ قال: ألست ترين أردّ عليهم ما يقولون؟ أقول:
وعليكم، ونزلت هذه الآية في ذلك: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ .
نزول الآية (10) :
إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ: أخرج ابن جرير عن قتادة قال: كان المنافقون يتناجون بينهم، وكان ذلك يغيظ المؤمنين، ويكبر عليهم، فأنزل الله: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ الآية.

المناسبة:
بعد بيان علم الله بكل شيء، ومنه السر والنجوى، أبان الله تعالى حال أولئك الذين نهوا عن النجوى وهم اليهود والمنافقون، ثم عودتهم إلى المنهي عنه، وتحيتهم بالسوء للنبي صلى الله عليه وسلم، قائلين له: السام عليك، أي الموت، وتهديد بدخول جهنم.
ثم ذكر تعالى آداب المناجاة من الامتناع عن التناجي بالإثم والعدوان، أي بالمعصية والقبيح والاعتداء وكل ما يؤدي إلى ظلم الغير، وضرورة التناجي بالبر والتقوى، أي بالخير وما يتقى به من النار من فعل الطاعات وترك المعاصي.
التعريف
النجوى لغة:
هي مصدر من قولهم نجوت الشّيء أنجوه إذا خلّصته، وهي مأخوذة من مادّة (ن ج و) الّتي تدلّ على السّتر والإخفاء، وقيل: أصله من النّجاة وهو أن تعاونه على ما فيه خلاصه، وقيل: المراد أن تنجو بسرّك أن يطّلع عليه غيركما، والنّجوى أصله المصدر كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ) [المجادلة: 10] .
 النجوى اصطلاحا:
قال القرطبيّ: النّجوى: السّرّ بين الاثنين وتكون أيضا بمعنى المسارّة [تفسير القرطبي (5/ 114)] (بين اثنين أو أكثر). وقيل: النّجوى: ما يكون من خلوة اثنين أو أكثر يسرّون شيئا ويتناجون به، والسّرار ما كان بين اثنين [تفسير القرطبي (17/ 88)]. وقال الإمام البغويّ- رحمه اللّه- النّجوى: هي الإسرار في التّدبير. وقيل: النّجوى ما يتفرّد بتدبيره قوم سرّا كان أو جهرا [تفسير البغوي (1/ 479)].
آيات
1- قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ) [المجادلة:7-8].
2- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى * إنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المجادلة:9-10].
أحاديث
1- عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا كانُوا ثَلاثَةً، فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ). متفق عَلَيْهِ.
ورواه أَبُو داود وزاد: قَالَ أَبُو صالح: قُلْتُ لابنِ عُمرَ: فَأرْبَعَةً؟ قَالَ: لا يَضُرُّكَ.
ورواه مالك في "الموطأ": عن عبد الله بن دينارٍ، قَالَ: كُنْتُ أنَا وابْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَارِ خَالِدِ بنُ عُقْبَةَ الَّتي في السُّوقِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يُريدُ أنْ يُنَاجِيَهُ، وَلَيْسَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ أَحَدٌ غَيْرِي، فَدَعَا ابْنُ عُمَرَ رَجُلاً آخَرَ حَتَّى كُنَّا أَرْبَعَةً، فَقَالَ لِي وَللرَّجُلِ الثَّالِثِ الَّذِي دَعَا: اسْتَأْخِرَا شَيْئاً، فَإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ: (لا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ).
2- عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً، فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، مِنْ أجْلِ أنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ). متفق عَلَيْهِ.
آثار
1- قال القرطبي في شرح قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس؛ من أجل ذلك أن ذلك يحزنه" قال: وفيه أيضًا التنبيه على التعليل بقوله: "من أجل أن ذلك يحزنه" أي: يقع في نفسه ما يحزن لأجله، وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره، أو أنه لم يروه أهلاً ليشركوه في حديثهم، إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان وأحاديث النفس، وحصل ذلك كله من بقائه وحده، فإذا كان معه غيره أمن ذلك.
2- قال أبو عمر بن عبد البر: التناجي: التسار، وذلك مكالمة الرجل أخاه عند أذنه بما يسره من غيره.
3- قال أبو إسحاق: معنى النجوى في الكلام ما ينفرد به الجماعة والاثنان، سرًا كان أو ظاهرًا.
4- قال النووي: وفي هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث، وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد، وهو نهي تحريم، فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن.
5- قال تعالى: (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون).
*
قال ابن كثير: "إنما النجوى" وهي المسارة حيث يتوهم مؤمن بها سوءًا "من الشيطان" يعني: إنما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشيطان وتزيينه، "ليحزن الذين آمنوا" أي: ليسوءهم، وليس ذلك بضارهم شيئًا إلا بإذن الله، ومن أحس من ذلك شيئًا فليستعذ بالله، وليتوكل على الله، فإنه لا يضره شيء بإذن الله.
6- قال ابن عبد البر: ولا يجوز لأحد أن يدخل على المتناجيين في حال تناجيهما.
7- وقال رحمه الله: ويكره أن يدخل في سر قوم لم يدخلوه فيه، والجلوس والإصغاء إلى من يتحدث سراً.
زاد ابن حجر: "ولا ينبغي للداخل القعود عندهما- ولو تباعد عنهما- إلا بإذنهما، لما افتتحا حديثهما سرًا وليس عندهما أحد، دل على أن مرادهما ألا يطلع أحد على كلامهما، ويتأكد ذلك إذا كان صوت أحدهما جهوريًا لا يتأتى له إخفاء كلامه ممن حضره، وقد يكون لبعض الناس قوة فهم بحيث إذا سمع بعض الكلام استدل به على باقيه، فالمحافظة على ترك ما يؤذي المؤمن مطلوبة وإن تفاوتت المراتب".
8- قال ابن بطال مُسَارَرَة الواحد مع الواحد بحضرة الجماعة جائز، لأن المعنى الذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة.
9- قال ابن حجر: ويؤخذ من التعليل- أي: قوله: "من أجل أن ذلك يحزنه"- استثناء صورة مما تقدم عن ابن عمر من إطلاق الجواز إذا كانوا أربعة، وهي مما لو كان بين الواحد الباقي وبين الاثنين مقاطعة بسبب يعذران به أو أحدهما فإنه يصير في معنى المنفرد.
قصص
1- عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وعبد الله بن عمر عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع عبد الله بن عمر أحد غيري وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه، فدعا عبد الله بن عمر رجلاً، حتى كنا أربعة، فقال لي وللرجل الذي دعا: استرخيا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يتناجى اثنان دون واحد ).
2- قال سعيد المقبري: "مررت على ابن عمر ومعه رجل يتحدث، فقمت إليهما، فلطم في صدري، فقال: إذا وجدت اثنين يتحدثان فلا تقم معهما، ولا تجلس معهما حتى تستأذنهما، فقلت: أصلحك الله يا أبا عبد الرحمن، إنما رجوت أن أسمع منكما خيرًا". وفي رواية: وقال: "أما علمت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تناجى اثنان فلا تجلس إليهما حتى تستأذن".
حكم
- إذا تناجى القوم في دنياهم دون العامة فإنهم في تأسيس ضلالة.
متفرقات
1- يختلف حكم النّجوى باختلاف الأمر المتناجى فيه، فإن كان أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، فهذا لا شيء فيه، وقد استثنى المولى- عزّ وجلّ- من فعل ذلك من انعدام الخيريّة الغالبة على النّجوى فقال: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) [النساء: 114]. وفيما عدا ذلك فالتّسارّ خصوصا في وجود الآخرين أمر مذموم يسوّل به الشّيطان ليقع سوء الظّنّ بين النّاس، مصداق ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [المجادلة: 8]. وقد نزلت هذه الآيات في اليهود والمنافقين، وقد اشتملت آية أخرى على المحمود والمذموم من التّناجي فقال- عزّ وجلّ- ناهيا عن التّناجي المذموم وآمرا بالتّناجي المحمود: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [المجادلة: 9] وعلى النّوع الأوّل يحمل قوله تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ) [المجادلة: 10] أي من تزيينه وغوايته ولا يكون ذلك منه إلّا فيما يؤذي المؤمنين [نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم (11/5599) ].
2- قال البغويّ في تفسير قوله تعالى: (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) [المجادلة: 7] أي من سرر ثلاثة يعني المسارّة، أي ما من شيء يناجي به الرّجل صاحبيه إلّا وهو رابعهم بالعلم. وقيل معناه: ما يكون من متناجين ثلاثة يسارّ بعضهم بعضا إلّا هو رابعهم بالعلم يعلم نجواهم ...) . وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: (إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى) [الإسراء؛ 47] يتناجون في أمرك يا محمّد. وقيل: ذو نجوى، فبعضهم يقول: هو مجنون، وبعضهم يقول: كاهن، وبعضهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: شاعر [تفسير البغوي (4/ 307)، (3/118) ].
 3- قال الإمام النّيسابوريّ في قوله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) [النساء: 114] أشار إلى ما كانوا يتناجون به حيث يبيّتون ما لا يرضى من القول. والنّجوى سرّ بين اثنين وكذا النّجو، يقال نجوته نجوا، أي ساررته وكذلك ناجيته [تفسير النيسابوري (5/ 173) ] .
4- قال ابن جرير الطّبريّ في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ..) [المجادلة: 9] يقول تعالى ذكره: يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه ورسوله إذا تناجيتم بينكم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرّسول ولكن تناجوا بالبرّ ..) [جامع البيان (8/ 181) ].
5- قال ابن كثير في قوله تعالى: (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) [المجادلة: 7]: أي من سرّ ثلاثة إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا .. أي مطّلع عليهم يسمع كلامهم وسرّهم ونجواهم . وقال أيضاً في قوله تعالى: (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء: 3]: أي قائلين فيما بينهم خفية هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يعنون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم . وقال في قوله تعالى: (وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) [المجادلة: 8]: أي يتحدّثون فيما بينهم بالإثم، وهو يختصّ بهم وَالْعُدْوانِ وهو ما يتعلّق بغيرهم ومنه معصية الرّسول ومخالفته يصرّون عليها ويتواصون بها[تفسير ابن كثير (4/ 181)، (3/181)، (4/ 346) ].
التفسير والبيان:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى، ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ أي ألم تنظر إلى الذين نهيتهم عن التناجي والمسارة بالسوء، ثم عودتهم إلى ما نهيتهم عنه، وهم اليهود والمنافقون كما ذكر في سبب النزول.
وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ أي ويتسارّون أو يتحدثون فيما بينهم بما هو معصية وذنب كالكذب، واعتداء وظلم للآخرين وعدوان على المؤمنين، وتواص بمخالفة النبي صلى الله عليه وسلم.
وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ أي وإذا أتى إليك اليهود حيّوك بتحية سوء لم يحيّك بها الله إطلاقا، فيقولون: السام عليك، يريدون بذلك السلام ظاهرا، وهم يعنون الموت باطنا،
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: وعليكم.
روي في الصحيح لدى البخاري ومسلم عن عائشة: أن ناسا من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم يا أبا القاسم، فقال صلى الله عليه وسلم: وعليكم، وقالت عائشة: عليكم السام ولعنكم الله وغضب عليكم، فقال عليه الصلاة والسلام: يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش، فقلت: ألا تسمعهم يقولون: السام؟ فقال عليه الصلاة والسلام: وأما سمعت ما أقول:
وعليكم، فأنزل الله تعالى: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ أي والله تعالى يقول: وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [النمل 27/ 59] ويا أَيُّهَا الرَّسُولُ ويا أَيُّهَا النَّبِيُّ.
وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ أي يفعلون هذا، ويقولون فيما بينهم: لو كان محمد نبيا لعذبنا الله بما يتضمنه قولنا من الاستخفاف به، فأجاب الله تعالى عن قولهم: بأن جهنم تكفيهم، كما قال سبحانه:
حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها، فَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي يكفيهم عذاب جهنم عن الموت الحاضر، يدخلونها، فبئس المرجع والمآل، وهو جهنم.
ثم ذكر الله تعالى آداب المناجاة حتى لا يكون المؤمنون مثل اليهود والمنافقين، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، إِذا تَناجَيْتُمْ، فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ أي يا أيها المؤمنون الذين يقتضي إيمانكم امتثال أمر الله، والابتعاد عن كل ما يتنافى مع الإيمان الصحيح، إذا تحدثتم سرا فيما بينكم، فلا تفعلوا مثلما يفعل الجهلة من اليهود والمنافقين، من التناجي بالمعصية والذنب. والاعتداء على الآخرين وظلمهم، ومخالفة النبي صلى الله عليه وسلم قائد الأمة ومنقذها من الضلالة.
وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي وتحدثوا بالطاعة وترك المعصية، وبالخير واتقاء الله فيما تفعلون وتتركون، فإنكم إليه تجمعون يوم القيامة والحساب، فيخبركم بأعمالكم وأقوالكم، ويحاسبكم عليها، ويجازيكم بما تستحقون،
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى رجلان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس، فإن ذلك يحزنه» «1» .
ثم ذكر الله تعالى بواعث مناجاة الكفار بالسوء، فقال:
إِنَّمَا النَّجْوى «2» مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي إنما التناجي أو المسارّة بالإثم والعدوان ومعصية الرسول صلى الله عليه وسلم من تزيين الشيطان وتسويله ووسوسته ليسوء المؤمنين، ولأجل أن يوقعهم في الحزن بإيهامهم أنهم في مكيدة يكادون بها، وليس الشيطان أو التناجي الذي يزينه الشيطان بضارّ المؤمنين شيئا، إلا بإرادة الله تعالى ومشيئته.
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أي فلا يأبه المؤمنون بتناجيهم، وليتوكلوا على الله ربهم، بأن يكلوا أمرهم إليه، ويفوضونه في جميع شؤونهم، ويستعيذون بالله من الشيطان، ولا يبالون بما يزينه من النجوى.

فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1- إن شأن اليهود وديدنهم معاداة القيم والأنبياء، والتآمر والمكايد، فتراهم يتناجون سرا بالإثم والعدوان، أي بالكذب والظلم، ويتواصون بمخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويخرجون عن الآداب الاجتماعية المعروفة، فيحيون النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم: السام عليك يريدون بذلك السلام ظاهرا، وهم يعنون الموت باطنا، فيجيبهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «عليكم» أو «وعليكم» وكانوا يقولون: لو كان محمدا نبيا لما أمهلنا الله بسبّه والاستخفاف به، وجهلوا أن الباري تعالى حليم، لا يعاجل من سبّه، فكيف من سبّ نبيه؟!
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا أحد أصبر على الأذى من الله، يدعون له الصاحبة والولد، وهو يعافيهم ويرزقهم» .
واختلف العلماء في رد السلام على أهل الذمة، هل هو واجب كالرد على المسلمين، فذهب ابن عباس والشعبي وقتادة إلى الوجوب، للأمر بذلك. وذهب مالك والشافعي إلى أن ذلك ليس بواجب، فإن رددت فقل عليك. قال القرطبي: وما قاله مالك أولى اتباعا للسنة،
أخرج الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: عليك ما قلت» .
2- أمر الله المؤمنين أن يتناجوا فيما بينهم بالبر والتقوى، أي بالطاعة والعفاف عما نهى الله عنه، ونهاهم عن التناجي أي التسارر بالمعصية والذنب، والاعتداء على الآخرين والظلم، فإنهم مجموعون في الآخرة إلى الله الذي يجازيهم على ما قالوا وما عملوا.
3- إن الباعث على نجوى السوء من تزيين الشيطان، ليوقع المؤمنين في الهمّ والحزن، وليوهمهم أن المسلمين أصيبوا في السرايا، أو أنهم متعرضون لمكايدة الأعداء، والوقوع فريسة الأقوياء، ومحنة السوء، مع العلم بأن الشيطان لا يضر أحدا بشيء إلا بمشيئة الله وتدبيره، وعلى المؤمنين أن يكلوا أمرهم إلى الله ربهم القاهر القادر، ويفوضوا جميع شؤونهم إلى عونه، ويستعيذوا به من الشيطان ومن كل شر، فهو الذي سلّط الشيطان بالوساوس ابتلاء للعبد وامتحانا، ولو شاء لصرفه عنه.
4- من أدب الإسلام، كما
جاء في حديث عبد الله بن مسعود المتقدم: «إذا كنتم ثلاثة ... »
ألّا يتناجى أو يتحدث سرا اثنان أمام ثالث، حتى يجد الثالث من يتحدث معه، كما فعل ابن عمر، وذلك أنه كان يتحدث مع رجل، فجاء آخر يريد أن يناجيه، فلم يناجيه حتى دعا رابعا، فقال له وللأول: تأخرا، وناجى الرجل الطالب للمناجاة «1» . ويستوي في ذلك كل الأعداد، فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلا، لوجود ذلك المعنى في حقه، بل وجوده في العدد الكثير أوقع، فيكون بالمنع أولى، وإنما خص الثلاثة بالذكر، لأنه أول عدد يتأتى ذلك المعنى فيه. وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال، وإليه ذهب الجمهور، وسواء أكان التناجي في مندوب أم مباح أم واجب، فإن الإساءة تشمله .أما إذا كان هناك إذن أو حاجة فلا باس بها عند العلماء ،قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين باب: النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه إلا لحاجة. فصار هناك شرطان لجواز التناجي:
أولاً: أن يكون بإذن الشخص الثالث.
ثانيا: ان تكون هناك مصلحة راجحة او حاجة ملحة .

والتناجي المحرم صورا كثيرة منها :
1- التكلم بلغة لا يعرفها الشخص الثالث، فهذا تناج واضح لايجوز فعله .
2- الكتابة ، مثل ان يكتب شخص لاخر ورقة فيها بعض الكلمات فيعطيها امام الثالث ، او يرسل له بالجوال وهم في مجلس واحد .
3- الاشارات والرموز والحركات التي يفهما طرف واحد ، فيبقى الطرف الاخر حزينا لا يعرف ماذا يقصدون.

ونختم بهذه القصة التين بينت لنا كم كان الصحابة رضي الله عنهم وارضاهم يطبقون هذه الايات ويعملون بمقتضاها ، فروى الإمام مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار قال: (كنت أنا و ابن عمر عند دار خالد بن عقبة في السوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه ،جاء رجل عند ابن عمر ، و ابن عمر يريد أن يناجيه، وليس مع ابن عمر أحد غيري، فدعا ابن عمر رجلاً آخر من السوق حتى كنا أربعة، ثم قال لي وللرجل الثالث الذي دعا استأخرا شيئاً ،واستأخرا من التأخر حتى يبلغ المناجي مراده، تأخر أنت والرابع شيئاً حتى أتمكن من كلام هذا الرجل الذي معي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يتناجى اثنان دون الثالث).
فنسال الله العظيم ان يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولو الالباب ، اللهم اغفر ذنوبنا ، واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم حرر بلادنا ، اللهم انصر المؤمنين المستضعفين في العراق وفي بلدان المسلمين، اللهم فرج عن المعتقلين ، اللهم اخرجهم سالمين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

متى ذكرت النجوى في القرآن
1- ولَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) سورة الانبياء. الَّذِينَ ظَلَمُوا أي وأخفوا التناجي والكلام فيما بينهم، بل وبالغوا في الإخفاء حتى لا يطلع أحد على تناجيهم، قائلين: هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ؟ أي هل محمد صلّى الله عليه وسلم إلا بشر كغيره من الناس، أمثالكم في تكوينه وعقله وتفكيره، فكيف يختص بالرسالة دونكم؟ وهذا ناشئ من اعتقادهم أن الرسول النبي لا يكون إلا ملكا، وأن كل من ادّعى الرسالة من البشر، وجاء بالمعجزة هو ساحر، ومعجزته سحر، فلذلك قالوا على سبيل الإنكار: أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ؟ أي أفتتبعونه، فتكونون كمن يأتي السحر، وهو يعلم أنه سحر، أو أتصدقون بالسحر، وأنتم تشاهدون وتعاينون أنه سحر؟! فهم يستبعدون كون رسول الله صلّى الله عليه وسلم نبيا لأنه بشر مثلهم، والرسول لا يكون إلا ملكا، وأما ما أتى به من القرآن فهو سحر.
وإنما أسروا الحديث بينهم في ذلك للتشاور في المخلص، والتوصل إلى أنجع الطرق لهدم دينه.

2- فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) طه.
وَأَسَرُّوا النَّجْوى بالغوا في إخفاء الكلام بينهم. قالُوا لأنفسهم. وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى المثلى: مؤنث أمثل بمعنى أشرف، أي يذهبا بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب، بإظهار مذهبه وإعلاء دينه، لقوله تعالى حكاية لقول فرعون: إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ [غافر 40/ 26] .
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ بهمزة القطع من أجمع أي أحكموا كيدكم الذي يكاد به، وبهمزة الوصل من جمع، أي لم ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا أي مصطفين لأنه أهيب في صدور الرائين. وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى فاز اليوم من غلب.

احكام التناجي في الاسلام
هل يعتبر الحديث والمزاح بلغة غير العربية في مجلس كلهم يفهمونها إلا واحدا لا يفهم ما يقولون هل ينهض من هذا المجلس أم يصبر بحكم القرابة وعدم تشتيت شمل العائلة وهل يعتبر هذا الأمر نجوى؟

فإن كان المتحدثون يتكلمون اللغة العربية ويستطيعون الحديث بها، فإن فعلهم هذا يخالف شرع الله تعالى وتعاليم رسوله الكريم الذي يحث على الإلفة والمودة بين الناس، ويعتبر اللغة العربية ويجعلها من شعائر الإسلام ولغة المسلمين الكبرى، وهو كذلك إساءة للأدب مع جليسهم وذوي رحمهم.
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتناجى الاثنان دون الواحد، كما في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد. وفي رواية: لأن ذلك يحزنه.
ومن باب أحرى إذا كانت جماعة تتحدث دون واحد، ولهذا قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وكذلك الجماعة إذا أبقوا واحداً منهم. لوجود العلة التي علل بها النبي صلى الله عليه وسلم النهي وهو كون التناجي دونه يحزنه أو يشعره بالمهانة وعدم الاعتبار.
والتحدث باللغة الأجنبية أو إدخال بعض عباراتها أو مفرداتها في اللغة العربية من المصائب التي ابتلي بها المسلمون والهزائم التي منوا بها في هذا العصر بسبب الابتعاد عن دينهم الذي هو مصدر قوتهم وعزتهم، وهو نتيجة من نتائج الغزوالفكري الذي استهدف عقول المسلمين وعقائدهم وأخلاقهم ولغتهم، فأثر في عقول بعض الشباب وضعاف النفوس، وقد حذر أهل العلم قديماً وحديثاً من هذا الأمر ومنعوا التحدث بغير اللغة العربية إلا لحاجة أو لمن لا يتحدث بها أصلاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن فلا ريب أنه مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إن المسلم ينبغي له ألا يتكلم بغير العربية إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
وعلى هذا، فلا مانع شرعاً أن ينسحب الأخ من هذا النوع من المجالس الذي لا يقيم أهله وزناً لجليسهم، وإن كان الأفضل أن ينبههم بطريقة ودية إلى خطئهم وهو ما ننصح به السائل الكريم. والله أعلم.
هل يجوز التناجي إذا كان في المجلس أكثر من ثلاثة، ومتى يمكن للنجوى أن تكون جائزة؟
وأما الشطر الثاني من السؤال، فإن النجوى تجوز إذا أذن الواحد للمتناجين بالنجوى، أو كان الجماعة أربعة فأكثر فتناجى اثنان دون البقية.
أما إذا كانت الجماعة ثلاثة فقط، فلا يجوز تناجي اثنين دون الثالث حتى يختلطوا بالناس أو يجدوا رابعاً على الأقل ويدل لهذا ما في الصحيح: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس من أجل إن ذلك يحزنه. متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية لابن حبان عن أبي صالح عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإن ذلك يحزنه. قال أبو صالح: فقلت لابن عمر: فأربعة؟ قال: ذلك لا يضرك.
وروى الإمام مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق فجاء رجل يريد أن يناجيه وليس مع ابن عمر أحد غيري فدعا ابن عمر رجلاً آخر حتى كنا أربعة فقال لي وللرجل الذي دعا: استأخرا شيئاً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتناجى اثنان دون واحد.
ويدل لجواز تناجي اثنين دون باقي الجماعة إذا كانوا أربعة فأكثر ما في صحيح مسلم من مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها بحضرة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
وقال النووي في شرح حديث لا يتناجى اثنان دون الآخر: في هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث وكذا ثلاثة بحضرة واحد، وهو نهي تحريم فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن، ومذهب ابن عمر ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء أن النهي عام في كل الأزمان وفي الحضر والسفر، وأما إذا كانوا أربعة فتناجي اثنان دون اثنين فلا بأس بالإجماع.
وقال ابن حجر في الفتح عند شرح حديث مناجاة الرسول لفاطمة: قال ابن بطال مُسَارَرَة الواحد مع الواحد بحضرة الجماعة جائز، لأن المعنى الذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة.

هناك تعليق واحد: