الجمعة، 26 يونيو 2015

النداء السابع : في النهى عن اتباع خطوات الشيطان وبيان حال المتبع لها. وامتنان الله تعالى على المؤمنين بوقايتهم من الشيطان.

الآية (21) من سورة النور
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد أن الله تعالى ما ينادى عباده المؤمنين به وبلقائه المصدقين بوعده ووعيده، الراغبين في فضله وإنعامه، الراجين رحمته وإحسانه، ما يناديهم إلا لما يعدهم لذلك ويقربهم منه، ويحققه لهم فها هو ذا عز وجل يناديهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ} ، لينهاهم عن اتباع خطوات الشيطان فيقول: {لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}
ا-فإنه عدو لكم فكيف تمشون وراءه وتتبعونه
ب-فيما يزين لكم من قبيح المعاصي،
ج-وسيئ الأقوال والأفعال،
ويعلل لذلك النهى فيقول، {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}
أي إن من يتبع خطوات الشيطان لا يلبث أن يصبح شيطانا يأمر بالفحشاء والمنكر،
ا-ألا ففاصلوا هذا العدو وقاطعوه،
ب-واتركوا المشي والجري وراءه فإنه لا يأمر بخير قط،
إذا فحذروا وساوسه وقاموا نزغاته بالاستعاذة بالله السميع العليم فإنه لا ينجيكم منه إلا هو سبحانه وتعالى.

ا- فمن زين له سوءا أو قبح له حسنا، أو نزغه ليحركه وراء شهوة باطلة فليفزع إلى الله سبحانه وتعالى قائلا: {أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم} ،
ب-وليواصل ذلك حتى يفر منه ويهرب من ساحته. كان هذا في بيان النهى عن اتباع خطوات الشيطان، وبيان حال المتبع له والعياذ بالله.

أما ما تضمنه هذا النداء في امتنان الرب تبارك وتعالى على عباده المؤمنين بوقايتهم من الشيطان، وقد قال تعالى فيه بقوله الحق: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً}

أي إنه لولا فضل الله عليكم أيها المؤمنون الصادقون ورحمته بكم وحفظه لكم بدفع الشيطان عنكم، ما كان ليطهر منكم أحد، وذلك لضعف الإنسان واستعداده الفطري للاستجابة لعدوه وعدو أبيه من قبل، وهو الشيطان عليه لعائن الرحمن
ا-إذا فعلى الذين شعروا بكمالهم؛ لأنهم نجوا مما وقع فيه غيرهم من الإثم
يستغفروا لإخوانهم الذين تورطوا
ب-وان يقللوا من لومهم وعتابهم فإنه لولا فضله تعالى عليهم ورحمته بهم لوقعوا فيما وقع فيه إخوانهم.
ألا فليحمدوا الله عز وجل الذي نجاهم مما وقع فيه إخوانهم.
ج-وليتطامنوا تواضعا لله وشكرا له.
د-إن هذه الآيات نزلت في حادثة الإفك التي تولى كبرها رئيس المنافقين ابن أبى عليه لعائن الله.

وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، (تفسير من مراجع اخرى عن تزكية النفس)
ا-وعليه فيلجأ إليه المؤمنين طالبين تزكية نفوسهم منه سبحانه وتعالى؛
ب-إذ هو الذي يزكى من يشاء،
ج-إلا أنه حسب سنته في خلقه لا يزكى إلا من طلب ذلك منه،
د-فمن طلب في صدق زكاة نفسه، فإن الله تعالى لا يخيبه ويزكى نفسه،
ه-ومادام تعالى سميعا لأقوال عباده عليما بنيانهم وأفعالهم فليفزع إليه المؤمن الراغب في زكاة نفسه.
فليذكره، وليشكره، بفعل الصالحات، والبعد عن الطالحات من الذنوب والآثام،
و-وبذلك يصبح أهلا لزكاة نفسه فتزكو نفسه وتطيب،
ز-والفضل لله والمنة لله سبحانه وتعالى، إذ لولاه ما زكى ممن تورطوا في حادثة الإفك، وممن سلم منها ولم يشارك فيها من أولئك الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم،

ح-ومن عجيب أحداث الكون أن الروافض جلهم متورطون في تلك الفتنة إلى اليوم؛ إذ هم مصرون على اتهام أم المؤمنين بها، وقد برأها الله عز وجل في كتابه وبشرها بالجنة بقوله تعالى: {أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} مع العلم أن من يكذب الله عز وجل يكفر كفرا يخرجه من الإسلام فسبحان الله كيف يرضى المؤمن بالكفر، ولا لشيء سوى التقليد العمى لأئمته واتباع هواه. والعياذ بالله.

وأخيرا إليك أيها القارئ خلاصة طيبة نفعك الله وإياي بها آمين وهى:
1-حرمة اتباع الشيطان فيما يزينه من الفحشاء والمنكر والباطل والسوء.
2-متابعة الشيطان والجرى وراءه في كل ما يدعو إليه يؤدى بالعبد إلى أن يصبح شيطانا يأمر بالفحشاء والمنكر.
3-على كل من حفظه الله من الوقوع في الفواحش والمنكر والسوء والباطل في الاعتقاد والقول والعمل؟ عليه أن يشكر الله تعالى، وأن يتواضع ويتطامن، ولا يلغ في أعراض المتورطين، وليكف لسانه عنهم ويدعوا لهم بالهداية إلى طريق تطهير أنفسهم وتزكيتها، ويبين لهم ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة. والجزاء على الله إذ هو رب العالمين ومالك يوم الدين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
تعريفات
الخطوة هي ما بين القدمين، والجمع خُطاً وخُطُوات. والخَطْوة بالفتح: المرّة. والجمع خَطَوَات. وقد تنوعت عبارات السلف رحمهم الله تعالى في بيان خطوات الشَّيْطان فقيل: آثاره، وقيل: عمله، وقيل: طرقه التي يدعوهم إليها. وقال قتادة والسدي: كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان.([1])
 
وقال ابن عطية رحمه الله تعالى: وكل ما عدا السنن والشرائع من البدع والمعاصي فهي خطوات الشيطان.([2]) وقال ابن عثيمين رحمه الله تعالى: كل شيء حرمه الله فهو من خطوات الشيطان سواء كان عن استكبار، أو تكذيب، أو استهزاء، أو غير ذلك؛ لأنه يأمر به، وينادي به، ويدعو إليه.([3])
 
ولا فرق بين أن يقال "اتبع فلان الهوى" وبين "اتبع الشهوة أو الشيطان أو الحياة الدنيا" في أن المقصد بجميع ذلك متابعة ما يصد عن سبيل الله عز وجل.
 
كأن الشيطان له خطوات متعددة ليست خطوة واحدة ، و قد أثبت الله عداوته لبنى آدم ، و هى عداوة مسببة ليست كلاماً نظرياً ، إنما هو عدو بواقعة ثابتة ، حيث امتنع عن السجود لآدم ، و عصى أمر الله له ، بل و أبدى ما فى نفسه و قال : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ(12) } [الأعراف]
و قال : { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً(61) } [الإسراءو هكذا علل امتناعه بأنه خير ، و كأن عداوته لآدم عداوة حسد لمركزه و مكانته عند ربه .
و الحق – تبارك وتعالى – حينما يخبرنا بعداوة الشيطان من خلال امتناعه عن السجود ، إنما يحذرنا منه ، و ينبهنا إلى خطره و يربى فينا المناعة من الشيطان ؛ لأن عداوته لنا عداوة مركزة ، ليست عداوة يمارسها هكذا كيفما اتفق ، إنما هى عداوة لها منهج و لها خطة .
فأول هذه الخطة أنه عرف كيف يقسم ، فدخل على الإنسان من باب عزة الله عن خلقه ، فقال : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82) } [ص]
فلو ارادنا ربنا – عز و جل – مؤمنين ما كان للشيطان علينا سبيل ، إنما تركنا سبحانه للاختيار ، فدخل علينا الشيطان من هذا الباب ؛ لذلك قال بعدها : { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(40) }[الحجرفمن اتصف بهذه الصفة فليس للشيطان إليه سبيل .
إذن : مسألة العداوة هذه ليست بين الحق سبحانه و بين الشيطان ، إنما بين الشيطان و بني آدم .
فقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...(21)} [النورنداء : يا من آمنتم بإله كأنه يقول : تنبهوا إلى شرف إيمانكم به ، و ابتعدوا عما يضعف هذا الإيمان ، أو يفت فى عضد المؤمنين بأى وسيلة ، و تأكدوا أن الشيطان له خطوات متعددة .
{ لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ...(21) } [النورفإن وسوس لك من جهة ، فتأبيت عليه ووجد عندك صلابة فى هذه الناحية وجهك إلى ناحية أخرى ، و زين لك من باب آخر , و هكذا يظل بك عدوك إلى أن يوقعك ، فهو يعلم أن لكل إنسان نقطة ضعف فى تكوينه ، فيظل يحاوره إلى أن يصل إلى هذه النقطة .
و الشيطان : هو المتمرد العاصى من الجن ، فالجن مقابل الإنس ، فمنهم الطائع و العاصى منهم هو الشيطان ، و على قمتهم إبليس ؛ لذلك يقول تعالى فى سورة الكهف : { إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ...(50) } [الكهف]
و سبق أن ذكرنا أنك تستطيع أن تفرق بين المعصية من قبل النفس و المعصية من قبل الشيطان ، فالنفس تلح عليك فى معصية بعينها لا تتعداها إلى غيرها ، اما الشيطان فإنه يريدك عاصيا على أى وجه من الوجوه ، فإن امتنعت عليه فى معصية جرك إلى معصية أخرى أياً كانت .
ثم يقول سبحانه :{ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ...(21) } [النورو لك أن تسأل : أين جواب ( من ) الشرطية هنا ؟ قالوا : حذف الجواب لأنه يفهم من السياق ، و دل عليه بذكر علته و المسبب له ، و تستطيع أن تقدر الجواب : من يتبع خطوات الشيطان يذقه ربه عذاب السعير ؛ لأن الشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء و المنكر ، فمن يتبع خطواته ، فليس له إلا العذاب ، فقام المسبب مقام جواب الشرط .
و الكلام ليس كلام بشر ، إنما هو كلام رب العالمين . و أسلوب القرآن أسلوب راق يحتاج إلى فكر وَاعِ يلتقط المعانى ، و ليس مجرد كلام و حشو .
ألا ترى بلاغة الإيجاز فى قوله تعالى من سورة النمل : { اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ(28) } [النمل]
ثم يقول تعالى بعدها : { قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ(29) } [النمل]
و تأمل ما بين هذين الحدثين من أحداث حُذفت للعلم بها ، فوعى القارئ و نباهته لا تحتاج أن نقول له فذهب الهدهد .. وو إلخ فهذه أحداث يرتبها العقل تلقائياً .
و قد أوضح الشيطان نفسه هذه الخطوات و أعلنها ، و بين طرقه فى الإغواء ، ألم يقل : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16) } [الأعراففلا حاجة للشيطان بأصحاب الصراط المعوج لأنهم أتباعه ، فالشيطان لا يذهب إلى الخمارة مثلاً ، إنما يذهب إلى المسجد ليُفسد على المصلين صلاتهم ، لذلك البعض ينزعج من الوساوس التى تنتابه فى صلاته ، و هى فى الحقيقة ظاهرة صحية فى الإيمان ، و لولا أنك فى طاعة و عبادة ما وسوس لك .
لكن مصيبتنا أن الشيطان يعطينا فقط طرف الخيط ، فنسير نحن خلفه ( نكر فى الخيط كراً ) و لو أننا ساعة ما وسوس لنا الشيطان استعذنا بالله من الشيطان الرجيم ، كما أمرنا ربنا تبارك و تعالى :
{ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(200) } [الأعراف]
إذن : إياك أن تقبل منه طرف الخيط ؛ لأنك لو قبلته فلن تقدر عليه بعد ذلك .
و من خطوات الشيطان أيضاً قوله : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17) } [الأعراف]
إذن : للشيطان فى إغواء الإنسان منهج و خطة مرسومة ، فهو يأتى الإنسان من جهاته الأربع : من أمامه ، و من خلفه ، و عن يمينه ، و عن شماله . لكن لم يذكر شيئاً عن أعلى و أسفل ؛ لأن الأولى تشير إلى عُلُوﱢ الربوبية ، و الأخرى إلى ذل العبودية ، حين ترفع يديك إلى أعلى بالدعاء ، و حين تضع جبهتك على الأرض فى سجودك ؛ لذلك لا يأتيك عدوك من هاتين الناحيتين .
ثم يقول تعالى : { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ...(21) } [ النور ]
قلنا : إن فضل الجزاء يتناوبه أمران : جزاء بالعدل حين تأخذ ما تستحقه ، و جزاء بالفضل حينما يعطيك ربك فوق ما تستحق ؛ و بالإحسان لا بالميزان ، و بالجبر لا بالحساب . فإن عاملنا ربنا – عز وجل – بالعدل لَضِعْنا جميعاً .
لكن ، فى أى شئ ظهر هذا الفضل ؟ ظهر فضل الله على هذه الأمة فى أنه تعالى لم يعذبها الاستئصال ، كما أخذ الأمم السابقة و ظهر فضل الله على هذه الأمة فى أنه تعالى أعطاها المناعة قبل أن تتعرض للحدث ، و حذرنا قديماً من الشيطان قبل أن نقع فى المعصية ، و قبل أن تفاجئنا الأحداث ، فقال سبحانه : { فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ ...(117) } [طهو إلا لغرق الإنسان فى دوامة المعاصى .
لأن التنبيه للخطر قبل وقوعه يربى المناعة فى النفس ، فلم يتركنا ربنا – عز وجل – فى غفلة إلى أن نقع فى المعصية ، كما نحصن نحن أنفسنا ضد الأمراض لنأخذ المناعة اللازمة لمقاومتها .
و قوله تعالى : { مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً ...(21) } [النور]
( زكى ) تطهر و تنقى و صفى { وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(21) } [النورو قال : { سَمِيعٌ عَلِيمٌ(21) } [النورلأنه تعالى سبق أن قال : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ...(19) } [النورذلك فى ختام حادثة الإفك التى هزت المجتمع الإسلامى فى قمته ، فمست رسول الله صلى الله عليه و سلم و صاحبه الصديق و زوجته أم المؤمنين عائشة و جماعة من الصحابة .
لذلك قال تعالى ( وَاللَّهُ سَمِيعٌلما قيل ( عَلِيمٌ ) [ النور : 21بما تكنه القلوب من حب لإشاعة الفاحشة .
 
ويلاحظ في القرآن الكريم أن الله تعالى كرر النهي عن اتباع خطوات الشيطان، ولم يقل لا تتبعوا الشيطان، ولعل ذلك لأمرين:
 
الأولمن جهة العبد، فمن المستبعد أن يتبع الشيطان وهو يعلم عداوته له؛ فحذر الله تعالى العبد مما لا ينتبه له وهو خطوات الشيطان.
 
الثانيمن جهة الشيطان، وهو أنه يتدرج مع المؤمن في الإغواء،
ا-فيزين له التوسع في المباحات،
ب-ثم التساهل في المتشابهات،
ج-فغشيان محقرات الذنوب،
د-إلى أن يصل به إلى الحرام المحض،
ه-بل إلى الكبائر والعياذ بالله تعالى.

ويبعد جدا أن عبدا مؤمنا مطيعا لله عز وجل، منته عن محارمه ينتقل فجأة إلى الموبقات وكبائر الذنوب، لكن يصل إليها بالتدرج إذا تسلط عليه الشيطان بخطواته، ووجده يسير معه فيها. وإذا عجز عن العبد من جهة المعصية؛ لمتانة دينه وبعده عن الشهوات، أتاه من جهة البدعة والوسوسة في الطاعات.
 
وإنها لصورة مستنكرة أن يخطو الشيطان فيتبع المؤمنون خطاه، وهم أجدر الناس أن ينفروا من الشيطان وأن يسلكوا طريقا غير طريقة المشئوم! صورة مستنكرة ينفر منها طبع المؤمن، ويرتجف لها وجدانه، ويقشعر لها خياله! ورسم هذه الصورة ومواجهة المؤمنين بها يثير في نفوسهم اليقظة والحذر والحساسية.

 
وقد جاء ذكر خطوات الشيطان في أربعة مواضع من كتاب الله تعالى كلها بصيغة النهي عن اتباعها [لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ]، وهذه المواضع الأربعة حسب ترتيبها في المصحف هي:
 
الموضعان الأول والثالث في سياق ذكر الطعام؛ قال الله تعالى [يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] {البقرة:168} وقال تعالى [كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] {الأنعام:142}..

الموضع الثاني في سياق الأمر بأخذ شرائع الإسلام كلها [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] {البقرة:208}.

الموضع الرابع في سياق النهي عن الفواحش [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ] {النور:21}

 
والمتأمل للموضوعات التي تناولتها الآيات الأربع يجد أن خطوات الشيطان للانحراف بالإنسان أظهر فيها من غيرها؛ وذلك على النحو التالي:
 
أولاأن الطعام مهم في حياة الإنسان، ويؤثر في جسده وأخلاقه تأثيرا كبيرا، وهو أكثر شيء يتكرر في حياته بعد الهواء والماء، ولا يتصور وقوع المعصية بسبب التنفس والشرب؛ لأن الهواء لا يملك أحد حبسه عن الناس؛ ولأن الماء متوفر يجري في الأرض، والمحجوز منه مبذول في الغالب، والتزود منه سهل. لكن الطعام هو المشكل الذي يحتاج إلى عمل وكد وجهد لتوفيره، وهو مظنة الوقوع في الحرام بسببه؛ ولذا كان ميدانا من ميادين الشيطان في الإجلاب على الإنسان وإغوائه بسببه.

ثانياأن شهوات البطن والفرج هي أكثر شيء يغزو الشيطان به بني آدم، وطريقة الشيطان في استدراج بني آدم إلى معاصي البطون والفروج هي أخذهم إليها بالتدرج خطوة خطوة حتى يصل الآدمي للمعصية الكبرى؛ ولذا حذر الله تعالى من اتباع خطوات الشيطان.
 
قال الرازي رحمه الله تعالى: قيل لمن أبيح له الأكل على الوصف المذكور احذر أن تتعداه إلى ما يدعوك إليه الشيطان، وزجر المكلف بهذا الكلام عن تخطي الحلال إلى الشبه، كما زجره عن تخطيه إلى الحرام؛ لأن الشيطان إنما يلقي إلى المرء ما يجري مجرى الشبهة فيزين بذلك ما لا يحل له فزجر الله تعالى عن ذلك، ثم بين العلة في هذا التحذير، وهو كونه عدوا مبنيا أي متظاهر بالعداوة.([5])

ثالثاأن شهوة ملئ الجوف بالطعام تتكرر أكثر من شهوة الفرج، والمرء يصبر على ترك النكاح ما لا يصبر على فقد الطعام والشراب، فمظنة الوقوع في إثم إشباع الجوف بالمحرم أكثر من مظنة الوقوع في إثم إشباع الفرج بالحرام؛ ولذا كان التحذير في القرآن من خطوات الشيطان في شهوات ملئ الجوف على الضِعف منها في الفرج.

رابعامن الثابت شرعاً وطباً وتجربة أن نوع الأكل يؤثر في طبع الآكل وأخلاقه كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْخُيَلاَءُ وَالْفَخْرُ في أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ وَالسَّكِينَةُ في أَهْلِ الْغَنَمِ»([6])ونسب الرازي رحمه الله تعالى إلى أهل العلم قولهم «فالغذاء يصير جزءاً من جوهر المغتذِي فلا بدّ أن يحصل للمغتذِي أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلاً في الغذاء»([7]) وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن جسد المغتذي يفسد بالأغذية الخبيثة من حيث لا يشعر.([8]) وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: حرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير؛ لأنها دواب عادية، فالاغتذاء بها يجعل في طبيعة المغتذي من العدوان ما يضره في دينه.([9])وقال أيضا: والسبع إنما حرم لما فيه من القوة السبعية التي تورث المغتذى بها شبهها؛ فإن الغاذي شبيه بالمغتذى.([10])

خامساأن خطوات الشيطان مع الإنسان فيما يتعلق بالطعام لها مسلكان:
1- تزيين الكسب المحرم بحيث يصير ما يشترى به الطعام مالا محرما، وهو الأكثر شيوعا في المسلمين؛ فإن المال يغري الناس؛ وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام:" الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ "([11]) وظاهر الحديث أن كسبه حرام ولو اشترى به طعاما حلالا بقرينة ذكر الشراب واللباس. والحقيقة أن الطعام هو أكثر ما يشتريه الإنسان من ضروراته وحاجاته، واستهلاكه له أكثر من غيره؛ ولذا كانت التجارة في الأطعمة من أعظم التجارات وأدومها.
 
وقد يكون الدافع للكسب المحرم خوف الفقر والجوع؛ وهذا الهاجس من الشيطان أيضا [الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ] {البقرة:268}. والملاحظ كثرة الساقطين في خطوات الشيطان فيما يتعلق بالمكاسب الخبيثة.

2- تزيين المحرمات من الأطعمة كالخنزير والميتة ونحوها، وهذا أقل وقوعا من الذي قبله؛ لأن المحرمات من الأطعمة خبائث تنفر منها الطباع السوية؛ ولأن في المباحات الطيبة الكثيرة غنية عنها، فلا يظفر الشيطان في هذا المجال إلا بالقليل من المسلمين، ولا سيما من يعيشون بين ظهراني المشركين ويتأثرون بهم، أو يتثاقلون في البحث عن الطعام الطيب فيتساهلون في المشتبه ثم المحرم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فإنما أذن للناس أن يأكلوا مما في الأرض بشرطين: أن يكون طيبا، وأن يكون حلالا. ([12])

سادساأن الله تعالى ذم أهل الكتاب في اتباعهم خطوت الشيطان في الكسب والطعام؛ وذلك أنهم تحايلوا على إباحة المحرم، قال الله تعالى [وَاسْأَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ البَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ] {الأعراف:163} وقال الرَسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ».([13])
 
ولما كان مبنى الاقتصاد العالمي على الربا والمقامرات، وقع كثير من المسلمين في خطوات الشيطان بالتحايل على الربا الصراح، والقمار الواضح، ببيع العينة والتوسع في بيع التورق مع عدم استيفاء شروطه، والتساهل في تداول الأسهم والسندات والاتجار بها، وكثير منها هو أقرب إلى الربا أو القمار منه إلى البيع، فهذه من خطوات الشيطان في التحايل على الكسب المحرم، وتسميته بغير اسمه

سابعاليست خطوات الشيطان مقتصرة على إباحة المحرم فقط، بل تكون كذلك في تحريم الحلال من الطعام، وقد عاب الله تعالى على المشركين ذلك فقال سبحانه [وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ] {الأنعام:138}.
 
وعن مسروق قال: أتى عبد الله بن مسعود بضرع وملح، فجعل يأكل، فاعتزل رجل من القوم، فقال ابن مسعود: ناولوا صاحبكم. فقال: لا أريده. فقال: أصائم أنت؟ قال: لا. قال: فما شأنك؟ قال: حرمت أن آكل ضرعا أبدا. فقال ابن مسعود: هذا من خطوات الشيطان، فاطعم وكفر عن يمينك.([14])

ثامناأن النهي عن اتباع خطوات الشيطان معلل بعلل جاءت في قول الله تعالى [إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ] {البقرة:169} وفي قوله تعالى [فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ] {النور:21}.([15])
 
فصار ما يأمر به الشيطان الإنسان في الآيتين أربعة أمور:
1- الفحشاء، وقد كرر في الآيتين. والفحشاء: كل ما استفحش ذكره، وقبح مسموعه.([16])
2- السوء، وهو: الضر من ساءه سوءا، وقيل: إن السوء الذي ذكره الله تعالى هو المعاصي؛ لأنها تسوء صاحبها بسوء عاقبتها له عند الله تعالى.([17])
 
قال الراغب رحمه الله تعالى: السوء والفحشاء كل قبيح من نحو الزنا، والسرقة، والسكر... وكل ما يقال له سوء، يقال له فحشُ، لكن بنظرين مختلفين، فإنه سمي سوءاً لاغتمام العاقل به، والفحشاء بأن يستفحشه.([18])وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الفحشاء من المعاصي ما يجب فيه الحد، والسوء من الذنوب ما لا حد فيه.([19])
3- المنكر، وهو المكروه المذموم المعيب، وذلك يكون في الأفعال والإنشاءات.([20])
والكره لازم للإنكار؛ لأن النكر في أصل اللسان هو الجهل، ومنه تسمية غير المألوف نكرة، وأريد به هنا الباطل والفساد؛ لأنهما من المكروه في الجبلة عند انتفاء العوارض.([21])
4- القول على الله بلا علم. وهذا يكون بالخوض في الشريعة وأحكامها بجهل كما يقع في ذلك كثير من الإعلاميين والمثقفين ونحوهم؛ فيبيحون المحرمات، ويسقطون الواجبات، وينتهكون حمى الشريعة، ويهونون أحكامها لدى العامة  بما يستحسنونه من آرائهم التي يستمدونها من ثقافات الغرب وأفكاره.
 
ويدخل في ذلك من تكلم في الشريعة عالما بنصوصها وأحكامها لكنه خالفها بهواه لجاه يرجوه، أو مال يطلبه، أو تقرب لذوي الجاه والمال بذلك، ووجه دخوله في القول على الله تعالى بلا علم مع أنه عالم أنه تكلم في الشريعة بطريقة تجافي طريقة العلماء فألحق بأهل الجهالة؛ ولأنه لو علم عظمة الله تعالى لما اجترأ على انتهاك شريعته، فكان جاهلا بالله تعالى ولو حفظ دواوين الشريعة؛ فإن العلم هو الخشية [إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ] {فاطر:28}.  
قال ابن عاشور: والمعنى: ومن يتبع خطوات الشيطان يفعل الفحشاء والمنكر؛ لأن الشيطان يأمر الناس بالفحشاء والمنكر، أي بفعلهما، فمن يتبع خطوات الشيطان يقع في الفحشاء والمنكر لأنه من أفراد العموم. ([22])

تاسعاأن من اتبع خطوات الشيطان في الترخيص للناس وإرضائهم؛ فإنه سينتهي به المطاف إلى إباحة المحرمات، وإسقاط الواجبات؛ وذلك أن الله تعالى لما أمر بالدخول في الإسلام كافة، وأخذ الشرائع كلها؛ نهى عن اتباع خطوات الشيطان، لأن الشيطان يريد صد الناس عن الأخذ بالشرائع كلها [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] {البقرة:208}  قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى: نهي بعد أمر؛ لأن اتباع خطوات الشيطان يخالف الدخول في السلم كافة.([23]) وأظن أن من خطوات الشيطان ما نسمعه من دعاوى فتح الذرائع، مع أن أكثرها ذرائع إلى محرمات؛ ففتح أبواب عمل المرأة، والنوادي النسوية الرياضية، وتشريع اختلاطها بالرجال، وسفرها بلا محرم، وتخففها من الحجاب...ألخ. كل أولئك ذرائع إلى الفواحش والمنكرات التي يأمر بها الشيطان، والله تعالى قال [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ] {النور:21}.

عاشرايلاحظ تذييل ثلاث آيات من آيات النهي عن اتباع خطوات الشيطان الأربع ببيان عداوته، وتأكيدها بمؤكدات [إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] {البقرة:168}  ومعنى المبين: الظاهر العداوة من أبان الذي هو بمعنى (بان) وليس من أبان الذي همزته للتعدية بمعنى أظهر؛ لأن الشيطان لا يُظهر لنا العداوة بل يلبس لنا وسوسته في لباس النصيحة أو جلب الملائم، ولذلك سماه الله وليا فقال: [وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا] {النساء:119}، إلا أن الله فضحه فلم يبق مسلم تروج عليه تلبيساته حتى في حال اتباعه لخطواته فهو يعلم أنها وساوسه المضرة إلا أن شهوته تغلبه فتضعف عزيمته وترق ديانته. ([24])

والشيطان في تحقيق عداوته للإنسان، وفي سبيل غزوه إياه بخطواته يسلك كل طريق للإغواء، ويأتي الإنسان من جهاته الأربع [قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ] {الأعراف:16-17}. ولذا كان واجبا على الإنسان أن يجعل الشيطان عدوا له، فلا يتبع خطواته، ولا يستسلم لوساوسه؛ لئلا يقوده إلى المحرمات [إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ] {فاطر:6}. 

كيفية النجاة
ولا يخفى عليك أيها الحبيب عظيم مكر الشيطان بهذا الإنسان، وكيده الدءوب لمحاولة إغوائه، ولكن الله تعالى أخبرنا بأن كيده ضعيف إذا قوبل بالإيمان والاستعانة بالله، وللنجاة من غوائل كيده ننصحك باتباع الآتي:

1- أكثر من مجالسة الصالحين، وحضور مجالس الذكر والعلم؛ فهي مجالس الملائكة وتطرد عنها الشياطين.
2- داوم على قراءة القرآن، وأكثر من ذكر الله؛ فإن الشيطان يخنس عندما تذكر الله تعالى.
3- داوم على أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم ودخول الخلاء ونحو ذلك من الأذكار الموظفة.
4- أكثر من الاستعاذة بالله تعالى كلما دعاك الشيطان إلى عمل شر أو تقصير في واجب.
5- جاهد نفسك لتكميل إيمانك بأنواع الطاعات واجتناب المحرمات فإن الشيطان ليس له سلطان على الذين آمنوا كما أخبر الله تعالى في كتابه.

وأما الثبات على طريق الاستقامة فهو أمر يسير إن شاء الله، إن استعنت بالله وصدقت في اللجوء إليه، فإنه سبحانه يثبت الذين آمنوا كما أخبر في كتابه، ومن التدابير التي ننصحك بالأخذ بها لتحصل هذا الثبات ما يلي:

1- ملازمة الرفقة الصالحة التي تدل على الخير وتحثك عليه، فإن المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، وقد سأل موسى عليه السلام ربه أن يرسل معه أخاه هارون ليعينه على التسبيح والذكر الكثير فقال: (( كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًاوَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ))[طه:33-34]، فإخوانك في الله يذكرونك إذا نسيت، ويعلمونك إذا جهلت، ويعينونك إذا ضعفت.
2- مجاهدة النفس للقيام بالفرائض فالطاعات تدعو إلى الطاعات، وقد قال الله تعالى: (( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ))[النساء:66].
3- عدم إرهاق النفس وتكلفتها من العمل ما لا تطيق، بل ينبغي تكلف ما يستطيعه الإنسان من العمل، مع التنويع في الطاعات فهذا يطرد السآمة والملل عن النفس ويرغبها في الخير.

4- اللجوء إلى الله تعالى باضطرار وصدق، وسؤاله التثبيت؛ فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه سبحانه يقلب القلوب كيف يشاء، وإذ أخذت بهذه الأسباب فأحسن الظن بالله تعالى وأنه لن يضيع أجرك بل سيتولاك ويعينك.

وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي من أشرف الوظائف والأعمال التي يقوم بها المؤمن في هذه الحياة، وهي وظيفة الأنبياء وورثتهم، وقد رتب الله تعالى عليها الأجر الجزيل، ولكنها مع ذلك تحتاج إلى فقه بالشرع، وفهم للواقع حتى لا يفسد الإنسان أكثر مما يصلح.

ومن ثم فإننا ننصحك بالاستزادة من العلم الشرعي ما استطعت، ومحاولة التبصر والفهم للواقع الذي تعيشه، ومن أهم الأمور التي ينبغي أن تفهمها لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ما يلي:

1- ضرورة معرفة حكم الشرع فيما تريد الأمر به أو النهي عنه؛ فكثيرا ما يتوهم بعض الناس أن أمراً معيناً منكراً، والحق أنه ليس كذلك وكذلك العكس.
2- ضرورة الموازنة بين الإنكار والسكوت؛ إذ لا يجوز الإنكار إن كان سيؤدي إلى منكر أعظم منه.
3- معرفة مراتب الإنكار وأن الإنكار باليد لا يشرع إلا عند القدرة ولمن له سلطان.
4- محاولة مجاهدة النفس للعمل بالمعروف الذي نأمر به والكف عن المنكر الذي ننهي عنه، فهذا مدعاة لقبول نصحنا، إلى غير ذلك من الآداب التي ينبغي أن تقرأها وتعرفها لتدعو إلى الله تعالى على بصيرة كما أراد الله سبحانه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق